الخصية المعلقة أو الخصية المُختفية أو الخصية الغير نازلة كلها مُسمياتٍ لحالة مرضية يُولد بها ما يتراوح بين 2% إلى 5% من الأطفال الذكور، منهم حوالي 10% تتعلق ولا تنزل عندهم الخصيتين معًا، حيث تتخلف الخصية عن نزولها في مكانها المُحدد بداخل كيس الصفن وهو الكيس الجلدي المُعلق خلف القضيب، ما يُسبب الكثير من الإزعاج والقلق للوالدين على صغيرهما.
لمزيد من التفاصيل حول الأسباب والأعراض وعوامل الخطر والعلاج نقدم لكم هذا المقال.
الأكثر عُرضة لظاهرة الخصية المعلقة
تُشيع ظاهرة عدم نزول خصية واحدة أو كلا الخصيتين في كيس الصفن عند المواليد الذكور الذين يولدون قبل موعد الولادة الطبيعي، وبالأخص قبل إكمالهم الأسبوع الـ 37 في الرحم.
ولا يُعني ذلك أن الخصية المعلقة ظاهرة أساسية مع كل المواليد الذكور المبتسرين، حيث إنها مازالت من الظواهر النادرة، ولكن تبقى احتمالية حدوثها مع هذه الشريحة من المواليد قائمة وأكثر توقعًا مُقارنةً بغيرهم من المواليد المُكتملي أسابيع الحمل.
وعادةً ما تُعالج المُشكلة طبيعيًا وتنزل الخصية المعلقة من تلقاء نفسها إلى مكانها الطبيعي في كيس الصفن خلال شهور الحياة الأولى من عمر الرضيع، إلا أن بعض المواليد لا يحدث عندهم هذا التعديل الذاتي لمكان الخصيات المُختفية، ومن ثَم قد يُضطر الأطباء إلى التدخل الجراحي لنقل الخصية أو الخصيتين من الموقع الشاذ إلى الموقع الطبيعي.
أعراض الخصية المعلقة
العَرَض الأساسي لمُعاناة الطفل من الخصية المعلقة هو عدم رؤية احداهما أو كلتاهما بمكانها الطبيعي داخل كيس الصفن؛ فطبيعيًا أن تتكون الخصيتين داخل تجويف البطن خلال آخر شهرين من أشهر الحمل، ثم ما تلبث أن تنزل تدريجيًا إلى كيس الصفن عبر مسارٍ خاص يأخذ شكل الأنبوب ويتمركز أعلى الفخذين يُعرف باسم “النفق الأربي”، ولكن في حالة الخصية المُختفية تتأخر أو تتوقف عملية النزول من الأساس.
قد يهمك أيضًا: علاج نزلات البرد ومشاكل انسداد الأنف لحديثي الولادة
أسباب عدم نزول الخصية
مازال السبب المُباشر في تعلق الخصية أو الخصيتين وعدم نزولها إلى مكانها في كيس الصفن في الموعد المُحدد لذلك مجهولًا تمامًا، ولكن ما توصلت له الأبحاث الطبية هو مجموعة العوامل التي تُعزز توقف عملية النزول أو تأخرها.
تتنوع عوامل تعلق الخصية وتتفرع إلى ما هو مُرتبط بالوراثة والجينات، وبصحة الأم والجنين من حيث اضطراب إنتاج الهرمونات والنشاط العصبي والتغيرات الجسدية، وبالمسببات البيئية، وغيرها من العوامل التي يُمكن سردها فيما يلي:
- انخفاض وزن الطفل عند الولادة عن المُعدلات الطبيعية المُقررة.
- ولادة الطفل مُبكرًا عن موعد الولادة الطبيعي.
- وجود تاريخ مرضي لعائلة الطفل مع تعلق الخصيتين، وكذلك مع أي مُشكلاتٍ صحية ترتبط بنمو الأعضاء التناسلية.
- ولادة طفل مُصاب بأعراضٍ مرضية تؤثر على النمو الطبيعي مثل مُتلازمة داون والعيوب الخلقية بجدار البطن.
- تناول الأم للمشروبات الكحولية أو تدخين مُنتجات التبغ إيجابيًا أو سلبيًا أثناء الحمل.
- تعرض الأم أو الوالدين معًا للملوثات البيئية وأخطرها المُبيدات الحشرية.
المضاعفات الصحية لتعلق الخصية
من الطبيعي أن تظل الخصيتين عند الذكر مُنذ الولادة إلى الوفاة في درجة حرارة أقل من درجة حرارة الجسم الطبيعية، ولذلك أُعد لها كيس الصفن خارج الجسم أصلًا لتوفير هذه البيئة الباردة المطلوبة لتمكين الخصيتين من أداء الوظائف المنوطة بهما فيما يخص إنتاج الحيوانات المنوية دون التأثر بما يحدث داخل الجسم من حيث الحرارة والبرودة.
وبالتالي فإن بقاء الخصية أو الخصيتين داخل تجويف الجسم يسحب هذه الميزة الطبيعية، وهو ما يتبعه عدة مُضاعفاتٍ صحية، أهمها:
الإصابة بسرطان الخصية: حيث أثبتت الدراسات العلمية أن الذكور أصحاب الخصية المعلقة هم الأكثر عُرضة لخطر الإصابة بسرطان الخصية مقارنةً بغيرهم من الأسوياء، بل وتشتد خطورة الإصابة عندما تكون الخصيتان المعلقتان ملتصقتين أكثر بالبطن وليس بالنفق الأربي.
ضعف الخصوبة: لأن الخصية المعلقة تُرجح كِفة انخفاض عدد وجودة الحيوانات المنوية التي تُنتجها، وبالتالي فإن ضعف وانخفاض الخصوبة عند الذكر المُصاب واقعة لا محالة، وكلما أُهمل علاج الخصية المعلقة كلما ازداد ضعف الخصوبة وصولًا إلى العقم.
التواء الخصية: فعلى اعتبار أن الخصية أو الخصيتين ليسا في موضعهما الصحيح؛ فإنه ولا شك سيتحقق التواء الحبل المنوي المتكون من أوعية دموية وأعصابٍ وأنبوب ناقل للسائل المنوي بين الخصية والقضيب، وهو ما يؤدي إلى الشعور المُستمر بالآلام الشديدة نظرًا لانقطاع وصول الدم إلى الخصية تمامًا، وبإهمال العلاج يصل المريض إلى مرحلة الفقدان الكامل للخصية أو الخصيتين ذو الالتواء.
صدمات الخصية: لأن بقاء الخصية داخل النفق الأربي يُعرضها لضغط عظمة العانة.
الإصابة بالفتق الأربي: لأن بقاء الخصية المعلقة داخل النفق الأربي يترك فتحة واسعة بين هذا النفق وبين البطن، وهو ما قد يسمح بدخول جزء من الأمعاء في النفق.
قد يهمك أيضًا: الأكل الصحي للأطفال وجدول لأهم الفيتامينات المناسبة لصحتهم
متى يصبح التدخل الطبي ضرورة؟
في العادة تُكتشف الخصية المعلقة مع فحص الطفل عقب الولادة مُباشرةً، ومن ثَم يُحدد الطبيب جدولًا زمنيًا لتكرار الفحص الدوري عليها، أملًا في أن تسمح هذه الفترة الزمنية في تحرك الخصية المعلقة أو الخصيتين بشكلٍ تلقائي وطبيعي نحو المكان المُخصص لهما بكيس الصفن المعلق خلف القضيب.
لكن ما إن يبلغ الطفل سن الأربعة شهور دون تغير ملموس في موقع الخصية المعلقة؛ يُرجح عدم تحركها ذاتيًا، وبالتالي يُصبح التدخل الطبي الفوري ضرورة مُلحة للحيلولة دون الدخول في دوامات وأخطار المُضاعفات الصحية المُنوه عنها آنفًا، والتي تزداد خطورتها بتزايد سنوات العمر.
نوادر طبية
جدير الذكر أن ما يحتاج إلى استشارة طبية ليس فقط الخصية المعلقة التي يُولد بها الذكور، ولكن توجد حالة أخرى تحتاج إلى مُتابعة طبية وهي:
بعض الصبية خلال المرحلة العمرية المتوسطة زمنيًا بين سن الفِطام إلى ما قبل مرحلة يُلاحظ عليهم اختفاء خصية واحدة من كيس الصفن بعد أن كانت الخصيتان مُستقرتان داخل الكيس بشكلٍ طبيعي جدًا عند الولادة وحتى عمر الفِطام عن الرضاعة (عمر العامين).
هذه الحالة النادرة نوعًا ما لا تخرج عن أحد وصفين، الوصف الأول هي الخصية النطاطة، حيث تتميز هذه الخصية بقدرتها على التحرك في اتجاهات الأمام والخلف بالمسافة الفاصلة بين كيس الصفن وأعلى الفخذ، غير أنه بمجرد توجيه الخصية باليد نحو الكيس فإنها ترجع وتستقر، ونُشير إلى أن الخصية النطاطة ليست مرضًا يحتاج إلى علاج، فما هي إلا ردة فعل للعضلات الدقيقة الموجودة داخل كيس الصفن.
أما الوصف الثاني فهو الذي يُطلق عليه الخصية الصاعدة المُكتسبة، حيث ترجع الخصية إلى ما كانت عليه أعلى الفخذ قبل الولادة بعدما نزلت واستقرت بكيس الصفن، ولصعوبة توجيهها باليد كما هو الحال في الخصية النطاطة؛ فإنها قد تحتاج إلى تدخل طبي.
قد يهمك أيضًا: الأطفال الرضع والتلفاز ومدى صحة تأثيره على ذكاء الطفل وتوحده
طرق التشخيص المُستخدمة
أشرنا إلى أن تأكيد الإصابة بالخصية المعلقة يكفيه الفحص الظاهري للطفل عقب الولادة لاكتشاف فراغ الكيس وتعلق احدى الخصيتين أو كلاهما، ولكن تخطيط البرنامج العلاجي المثالي لحالة الطفل يحتاج لا محالة إلى مجموعة من طُرق التشخيص لتوقع أثر العلاج على نزول الخصية إلى مكانها بالكيس، ومن بين أهم الطُرق التشخيصية المُتبعة ما يلي:
إدخال منظار إلى بطن الطفل لتصويرها من الداخل والتحديد الدقيق لمكان الخصية داخلها، وقد يتمكن الطبيب أثناء عملية التنظير من إصلاح الأمر وإنزال الخصية لمكانها الطبيعي، وقد يكتفي بالتنظير وجمع المعلومات فقط على أن يتم الإصلاح النهائي في اجراء آخر مماثل، كما قد يفيد تنظير البطن في إزالة بقايا الأنسجة التالفة للخصية المعلقة حتى إذا ما تم إنزالها كانت في أوج صحتها.
أحيانًا لا يكفي أو لا يجدي تصوير البطن من الداخل بالمنظار، لذلك قد يضطر الطبيب إلى عمل شقٍ جراحي يدوي كبير لاستكشاف تجويف البطن والنفق الأربي بدقة أكبر.
علاج الخصية المعلقة
جدير القول أن علاج الخصية المعلقة قبل إتمام الطفل عمر العام يمحي بصورة شبه كاملة أي فرصة لحدوث المُضاعفات الصحية الخطيرة كالعقم وسرطان الخصية… إلخ، وبشكلٍ عام يُحبذ التبكير بالعلاج وإتمام الجراحة قبل تجاوز الطفل عمر الـ 18 شهرًا.
ويهدف البرنامج العلاجي للخصية المعلقة بعناصره إلى إنزال الخصية إلى موضعها الطبيعي الصحيح في كيس الصفن، مع علاج أي خلل – إن وجد – نَجَم عن تعلق الخصية بتجويف البطن أو النفق الأربي، مع الاطمئنان على نمو الخصيتين بشكلٍ طبيعي، ولتحقيق كل ذلك يشتمل برنامج العلاج على مجموعة خيارات هي:
الإجراء الجراحي
حيث يتم تصحيح وضع الخصيتين وإعادتهما إلى مكانهما داخل كيس الصفن مع تثبيتهما بداخله، ومن المُمكن إتمام الجراحة بالمنظار أو بالطريقة التقليدية. وعادةً ما يتقرر موعد خضوع الطفل للجراحة بناءً على عدة عوامل أهمها الصحة العامة للطفل ومدى صعوبة التنفيذ، وفي النهاية يحاول الطبيب التعجيل بالجراحة قدر الإمكان لوقاية الطفل من خطر حدوث المُضاعفات.
وتجدر الإشارة إلى أن الطبيب سيُعالج بعضًا من الأمور – إن وجدت – بالتزامن مع إعادة الخصية لمكانها في نفس الجراحة، مثل إزله الأنسجة الغير طبيعية أو الميتة بالخصية، إصلاح الفتق الأربي.
ومن الضروري أن تستمر مُراقبة الخصيتين بعد الجراحة لضمان تطورهما على النحو الصحيح، وفي سبيل ذلك قد يُجري الطبيب بعض الفحوصات، مثل فحوصات البدن، تصوير كيس الصفن بالموجات فوق الصوتية، فحص مُعدلات الهرمونات بالدم.
يحقق التدخل الجراحي لإنزال الخصية المعلقة مُعدلات نجاح تصل إلى 100%، حتى إنه لا يؤثر مطلقًا على معدل الخصوبة عند الرجل إذا ما نُفذ الإجراء الجراحي لتعديل خصية واحدة، ولكن يقل مُعدل الخصوبة إلى 65% إذا كانت الجراحة لتعديل خصيتين.
العلاج الهرموني
وهو عبارة عن أصناف من الحقن الموجه للغدد التناسلية، وتهدف إلى تعزيز تحرك الخصية ذاتيًا نحو مكانها الطبيعي داخل كيس الصفن، ومن الأمانة العلمية ذكر أن هذا الخيار العلاجي أقل كفاءة وفاعلية من التدخل الجراحي.
ما بعد العلاج
لا يُعد تعديل وضع الخصية المعلقة أو الخصيتين المعلقتين نهاية المطاف، بل لا بد من المُتابعة والتحقق الدوري من حالة الخصيتين داخل كيس الصفن منزليًا وفي عيادة الطبيب كل فترة زمنية مُحددة، وذلك للتأكد الكامل من نموهما بصورة طبيعية جدًا.
كما أن الأب عليه توعية ابنه لما اقترب من سن البلوغ بطبيعة التطورات والتغيرات التي تظهر على جسم الذكر، مع تعليمه كيفية التحقق من وضع الخصيتين بنفسه، فالفحص الذاتي يحمي ويُساهم في اكتشاف أي خللٍ يحدث مُبكرًا.
على جانب آخر قد يحتاج الذكر البالغ الذي عانى في طفولته من الخصية المعلقة إلى دعم وتأهيل نفسي، خصوصًا إذا كان التعليق للخصيتين مع إصلاح خصية واحدة بالجراحة، لذلك من الضروري دعم المراهق نفسيًا، وإيضاح أنه شخص طبيعي يتمتع بصحة جنسية وإنجابية جيدة كالآخرين حتى مع امتلاكه خصية واحدة فقط.
الخصية المعلقة من الظواهر النادرة ويسهل علاجها نهائيًا، بشرط أن تُتخذ الاجراءات الطبية الصحيحة مُنذ اكتشافها، ولكن إهمال العلاج أو تأخيره سيُلحق بالمريض الضرر البدني والجنسي والنفسي بعد البلوغ.
للمزيد: مراحل تطور الطفل الطبيعي بعد الولادة من عمر اليوم إلى العامين