تُعد مشكلة التأخر الدراسي عند الأطفال من أصعب المشاكل التي تواجه أولياء الأمور وتزعجهم وتؤرق نومهم، لأنها نذير سوء بخطر يُهدد مُستقبل هؤلاء الأطفال علميًا وعمليًا واجتماعيًا أيضًا، حيث أن كل ملامح الحياة تتخذ شكلها بناءً على تفوق الطفل في دراسته ونجاحه أو عدم نجاحه فيها.
وهُنا سنتناول مُشكلة تأخر التحصيل الدراسي عند الأطفال من كافة الزوايا والتفاصيل موضحين الأسباب والمظاهر والعلاج.
متى يُقال عن الطفل أنه مُتأخر في التحصيل الدراسي؟
بالطبع هُناك فروقٍ فردية بين الأطفال وتفاوت كبير في قدراتهم العقلية والاستيعابية ولكن يُقال عن الطفل أنه متأخر دراسيًا إذا كان تحصيله بطيء لدرجة تجعله عاجزًا عن استيعاب المُقررات والمناهج المفروض عليه استيعابها.
وأيضًا التخلف عن أقرانه بصورة كبيرة وملحوظة، كأن يتمكن أقرانه من حفظ الحروف وكتابتها والتعرف عليها مثلًا وهو لا يزال في مرحلة حفظ الحروف الأولى، أو يتعلم أقرانه مهارات العد والجمع والطرح، وهو لا يزال في مرحلة التعرف على الأعداد وشكلها وترتيبها، فإذا لاحظت الأم أو الأب أو معلمة الفصل هذا التأخر فيجب المُناقشة في الامر وعلى المُعلمة أن تلفت نظر الوالدين وتبحث بمساعدتهم عن أسباب المشكلة وحلولها.
أسباب التأخر الدراسي عند الأطفال
تُعتبر مُشكلة تأخر الطفل في التحصيل الدراسي من أعقد وأصعب المُشكلات التي تواجه الأمهات أو المُعلمين في المراحل الأولى من التعليم، وهذا يرجع إلى تعدد وتداخل وغموض الأسباب المؤدية إلى ذلك، فالأسباب تتنوع بين ما يتعلق بالطفل نفسه من حيث حالته الصحية والنفسية والاجتماعية أيضًا، وبين ما يتعلق بالبيئة التعلمية المُحيطة به والتي يتلقى تعليمه فيها، ويُمكن تفصيل الأسباب الكامنة وراء تلك المُشكلة في النقاط التالية:
أسباب صحية
الأسباب الصحية تشمل كل خللٍ أو مُشكلة صحية تؤثر على عملية التركيز بشكلٍ مُباشر أو تؤثر على عملية التفاعل مع العملية التعليمة بشكلٍ غير مُباشر.
فالأسباب الصحية التي تؤثر على التركيز وتجعل الطفل شاردًا مُشتتا وخاملًا، وغير قادر على استجماع تركيزه تشمل بعض الأمراض مثل الأنيميا وفقر الدم، وأمراض سوء التغذية، والتي تؤثر بصورة كبيرة على التركيز ومن ثمّ التحصيل الدراسي، فضلًا عن ذلك الأمراض التي تنشأ نتيجة خلل ما في نشاط الغدة الدرقية، أو حدوث أي اضطرابات أو مشاكل في الهضم، فجميع تلك الأمراض تسبب بشكلٍ أو آخر انعدام التركيز وتشتيت الذهن.
يُمكن أن نضم إلى قائمة الأسباب الصحية العصبية الخلل الذي يعرف بــ “attention deficit hyperactivity disorder-ADHD” والذي يُعني قصور الانتباه وفرط الحركة، ويتمثل في النشاط الزائد للطفل الذي يستنزف طاقته وتركيزه.
كذلك من ضمن المشاكل الصحية حدوث أي اضطراباتٍ في السمع أو الإبصار أو النطق، فمشاكل السمع أو ضعفه تُعني أن لا شيء يصل طفلك من المعلومات التي يشرحها المُعلم، ومشاكل الرؤية تُعني أنه لا يخرج بفهم كامل فالرؤية والسمع كلًا منها وجوده مُعززًا للآخر، ومشاكل النطق تجعله غير قادر وغير راغب في التفاعل أو التعبير عن نفسه داخل فصله.
قد يهمك أيضًا: الأطفال الرضع والتلفاز ومدى صحة تأثيره على ذكاء الطفل وتوحده
وجود صعوبات في التعلم
مُشكلة وجود صعوبات مُعينة في التعلم تؤدي بشكلٍ مُباشر إلى ضعف التحصيل الدراسي عند الطفل، ويجب لفت الانتباه إلى أن صعوبات التعلم لا تُعني غباء الطفل أو كسله، لكنها تُعني وجود مُشكلةٍ ما تحول دون القدرة على التعلم بشكلٍ سليم، حيث يُصبح الطفل عاجزًا عن إدراك المعلومة مكتملة فضلًا عن استيعابها، وهُناك عدة أمثلة لصعوبات التعلم يُمكن استعراضها لتتضح لنا الصورة جيدًا، ومن أهمها ما يلي:
صعوبات الكتابة: والتي تشمل مشاكل في الخط وعدم القدرة على الكتابة بشكلٍ سليم ومن ثم عدم القدرة على ترتيب الأفكار وإعادة تنسيقها ومُراجعتها.
صعوبات القراءة: والتي تشمل مشاكل في التحدث والقدرة على النطق بشكلٍ سليم.
صعوبات في الرياضيات: والتي تجعل الطفل غير قادر على استيعاب الأنشطة العقلية الرياضية التي يُطالب بها، مثل صعوبات العمليات الحسابية والعقلية المعقدة.
صعوبات اللغة: والتي تجعله غير قادر على فهم ما يُقال له وليس لديه القدرة على حفظ مُفردات جديدة وتعلم نمط تحدث جديد.
أسباب نفسية
الأسباب النفسية تُشكل كل اضطراب نفسي يعتري الطفل ولا يستطيع التعبير عنه ولكنه يُترجم إلى بعض المظاهر السلبية ومن تلك المشاكل مثلا الغيرة عند الطفل، الاكتئاب، العدنية، تعرض الطفل للعنف الممارس ضده بشكلٍ مُباشر، مُشاهدة العنف في محيط أسرته، فكل هذه الأشياء تملأ عقل الطفل بمخاوف واضطراباتٍ وأفكارٍ سلبية مما يجعله مُنصرفًا بالكلية عن التركيز في دراسته، ومُنشغلًا بما يدور في عقله.
الحرمان النفسي من الدعم والتقدير والحب من المحيطين بالطفل يُساهم أيضًا في مُشكلة التأخر الدراسي عند الأطفال .
أسباب تربوية
هُناك أسباب تتعلق بنمط تربية الطفل مثل طريقة الوالدين في التعامل مع رغبات الطفل وميوله، وطريقتهم في تدريس الطفل أو المذاكرة له، طرقهم في العقاب، فالطفل الذي يتعرض للتعنيف أو العبارات السلبية المُحبطة كثيرًا يتراجع مُستوى تحصيله بصورة كبيرة.
فضلًا عن ذلك فهُناك سبب يتعلق بغياب المُحفز الحقيقي للطفل، بمعنى عدم تنشئة الطفل على قيم المسئولية وتقدير أهمية النجاح الدراسي وعلاقته بالنجاح في الحياة العامة، فقد يكون الطفل في قمة الذكاء والتركيز ولكن كل تركيزه مُنصرف إلى اللعب أو الشغب أو غيره.
أسباب مُتعلقة ببيئة التعليم
وهذه الأسباب أكثر بكثير من أن نُحيط بها في مقالٍ واحد فهي تشمل كل خللٍ في المكان أو الوسط الذي يدرس فيه الطفل، كارتفاع الكثافة في الفصل، وسوء التهوية أو عدم نظافة المكان بشكلٍ جيد، كما تشمل صعوبة المناهج وتعقيدها وكمياتها الكبيرة، وتشمل كذلك عدم تأهيل بعض المُعلمين بما يكفي لتوصيل المعلومة والتعامل مع الأطفال فكل هذا يُعد من الأسباب المُباشرة في مُشكلة التأخر الدراسي عند الأطفال .
قد يهمك أيضًا: مراحل تطور الطفل الطبيعي بعد الولادة من عمر اليوم إلى العامين
علاج مُشكلة التأخر في التحصيل الدراسي لدى الأطفال
للعلاج والتغلب على مُشكلة التأخر الدراسي عند الأطفال والخروج بطفلك من نفقها المُظلم يتطلب كثيرًا من الوعي والحكمة والصبر، الوعي لاكتشاف الأسباب الحقيقة التي أدت إليها، ومن ثم التركيز عليها ومُحاولة حلها، ويُمكن بصورة عامة أن نُحدد خطوات التعامل الجيد مع مُشكلة تأخر التحصيل الدراسي في الخطوط التالية:
البحث عن أسباب المُشكلة
بمعنى أن تبدئي في البحث وراء أسبابها الحقيقية ويُمكنك الاستعانة في ذلك بالمُعلمة في الفصل وبمُلاحظاتها، وملاحظاتك أنت للطفل من حيث تغذيته ونومه ونشاطه وقوة تركيزه.
ويُمكنك الذهاب إلى طبيب مُختص وعمل الفحوصات والاختبارات الطبية التي تؤكد لك سلامة الطفل من مشاكل سوء التغذية أو فقر الدم أو نقص أيٍ من العناصر الغذائية الضرورية له، وسلامة نشاط الغدة أو تكشف لك وجود مُشكلة مُعينة ومن ثم البدء في علاجها وفقًا لخطة يضعها الطبيب.
الاهتمام بتغذية الطفل الصحية
ويأتي دور الأم والاهتمام بتغذية الطفل كمًا ونوعًا وتحرص على جودة الغذاء وتنوعه، واحتوائه على العناصر التي تزيد من التركيز مثل الأوميجا 3، والتي تحتوي على الفيتامينات المُتنوعة والبروتين والحديد، والبعد عن الأغذية المحفوظة أو المُعلبات، التي تحتوي على كثير من المواد الحافظة، والإكثار من شرب الماء والتزام كافة العادات الغذائية السليمة التي من شانها أن تمنح الطفل الطاقة والحيوية والنشاط وتجنبه الخمول أو التعب أو الكسل.
توفير بيئة نفسية جيدة
البيئة النفسية الجيدة تنعكس على الطفل إيجابًا، فالطفل الذي ينشأ في بيئة سوية فيها حب وسلام وتعامل محترم بين أفرادها، والطفل الذي يحظى بحب ورعاية والديه وتوفير احتياجاته النفسية والمادية ويلقى الدعم والتعزيز يتمتع بثقة كبيرة بنفسه وهدوء ويكون تركيزه غالبًا أعلى ممن يفتقد تلك الأجواء، اغمري طفلك بالحب واغرسي فيه الثقة بالنفس والشعور بالمسئولية.
التحفيز
مهم أن يكون الطفل على وعيٍ بأهمية الدراسة والنجاح فيها وما يُعنيه ذلك لمُستقبله، فأعط وقتك للطفل واشرحي له قيم التعليم ومدى احتياجه للتعليم وكيف أن سعادته المُستقبلية كلها مرهونة بنجاحه وتفوقه.
تشجيع الطفل
تشجيع الطفل عند تحقيق أي إنجاز حتى لو كان انجازًا بسيطًا، بكلمة طيبة أو هدية أو فسحة أو غيره مما يحبه الطفل وتحفيزه وبناء ثقته بنفسه.
قد يهمك أيضًا: الأكل الصحي للأطفال وجدول لأهم الفيتامينات المناسبة لصحتهم
جعل بيئة المذاكرة ممتعة
الطفل المتأخر دراسيًا يحتاج وقت أطول في المذاكرة ومجهود أكبر، لذا يجب أن تكون المذاكرة مُرتبطة بالمرح والمتعة حتى لا يرفضها الطفل، ويُمكن استخدام اللعب والقصص في المذاكرة وتوصيل المعلومة أو حفظ المفردات أو غيره من أنشطة العملية التعليمية.
الاستعانة بوسائل بصرية وسمعية وحسية من البيئة المُحيطة
الطفل في هذه الحالة يحتاج وسائل تعليمية توضيحية وغير تقليدية، ولا يُناسبه الشرح والاسترسال في الكلام، ويُمكن الاستعانة بالمُكعبات أو لوحات للتوضيح أو غيره مما يسهل على الطفل الفهم ويُقرب له الفكرة.
تجنبي تمامًا كل ما هو سلبي ومُحبط
اياك أن تلجئي لتعنيف طفلك أو احباطه أو زجره، أو استخدام عبارات وأوصاف سلبية فهذا يُصعب مُهمتك ويجعل طفلك يكره المذاكرة.
لا تتحدثي عن مُشكلة طفلك أمامه ولا أمام الآخرين ولا تركزي عليها، بل تجاهليها واستعيني دائمًا بالتفاؤل والكلمات الإيجابية التي تشجع طفلك، وتُعزز ثقته بنفسه.
الاستعانة بمدرس خاص
إذا كان طفلك يُعاني من تأخر التحصيل الدراسي فيجب إعطائه درسًا خاصًا مُنفصلًا عن زملائه، يراعي فيه المُعلم قدرات الطفل ويكثف مجهوده في الشرح والتوضيح والتكرار للطفل.
اللجوء إلى مُتخصص في صعوبات التعلم
إذا اكتشفت أن طفلك يُعاني من صعوبات تعلّم فالجئي إلى مُتخصص يُساعدك في حل المُشكلة.
الدعاء
بعد أن تبذلي كل ما في وسعك وتفعلي كل ما عليكِ تجاه ابنك تمسكي بالدعاء واستعيني بالله عز وجل أن ييسر لطفلك الفهم والحفظ ويوفقه، وكوني على يقين أن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملًا.
للمزيد: كيف تعلم طفلك تقدير قيمة المال دون أن يتعلم البخل