الطهارة بعد الإجهاض .. متى وكيف تتم؟

الطهارة بعد الإجهاض .. متى وكيف تتم؟

متى وكيف تتم الطهارة بعد الإجهاض؟ هذا السؤال يتردد لدى الكثير من السيدات، لأن الطهارة بعد الإجهاض من المسائل التي اختلفت وتعددت فيها الأقاويل بين السيدات؛ لذا رأينا أن ما يتوجب علينا هو جمع المعلومات التي تتعلق بهذه المسألة لبيانها وتوضيحها لكل من أراد معرفتها حتى لا يختلط الأمر بغيره من المسائل الأخرى.

ستجدي عزيزتي القارئة فيما يلي من السطور القادمة أننا قمنا بحصر كل ما هو مقنع في مسألة الطهارة بعد الإجهاض، وأقمنا عليه الحجة من بالأدلة من الكتاب الكريم والسنة المُطهرة، فهيا لنتطرق معًا في صُلب الموضوع.

ما الذي نعنيه بفترة النفاس؟

الطهارة بعد الإجهاض .. متى وكيف تتم؟

 

فترة النفاس هي الفترة التي تلي الولادة أو الإجهاض (السقط)، والنفاس هو ما نزل من الدم على السيدة بسبب عملية الولادة أو السقط، وتُسمى السيدة في هذه الفترة نفساء. ولا يجوز للسيدة في فترة النفاس الصيام أو الصلاة ولا يجب على الزوج أن يُجامعها حتى تتطهر، وعليها أن تقضي الأيام التي أفطرتها من شهر رمضان بعد الطُهر وعقب انقطاع الدم.

واختلفت الآراء في الفترة التالية لعملية السقط أو الإجهاض هل تكون المرأة في فترة نفاس أم لا، ومن ثم لا يجوز لها الصوم ولا الصلاة ولا على الزوج أن يجامعها أم هي فترة طهر ما دام الحمل لم يكتمل؟ وهذا ما سنتعرف عليه من خلال ما يلي من الحديث.

متى تتم الطهارة بعد الإجهاض؟

الطهارة بعد الإجهاض يكون الحكم فيها بالنظر إلى شيئين هما:

  • إن كان الجنين مخلقًا.
  • إن كان الجنين غير مُخلق، وسنتكلم عن كلاهما فيما يلي:

إذا تم الإجهاض وكان الجنين مُخلقًا

إذا تم الإجهاض وكان الجنين مُخلقًا، (أي: تخلّق بظهور الأطراف أو الرأس أو غيرها من الأعضاء)، فالسيدة في فترة نفاس ما لم ينقطع الدم، ولا يصح لها الصلاة ولا الصوم ولا على الزوج أن يجامعها حتى الطهر عقب انقطاع الدم أو إتمام الأربعين يومًا إن لم ينقطع الدم.

والطهر يكون بمجرد انقطاع الدم حتى قبل تمام مُضي الأربعين يومًا وليس هُناك حدًا لقلة النفاس، وحينما تطهر بانقطاع الدم النازل وجب عليها أن تغتسل وتُصلي وتصوم ويحل للزوج مُعاشرتها (الجماع). وإذا لم ينقطع الدم فهي في فترة النفاس حتى أربعين يومًا وبعد تمام الأربعين يوم فهو دم استحاضة (دم فاسد)، وعليها أن تتطهر وتصوم ويصح لزوجها مُعاشرتها، وتتوضأ لكل صلاة كالمستحاضة، وهو ما يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة فاطمة ابنة أبي حبيش وكانت مستحاضة: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:

قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني لا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهبت قدرها فاغتسلي عنك الدم وصلي)).

ولو صادف موعد حيضتها في موعد طهرها فلتنتظر حتى تقضي حيضتها، ولا يجوز لها الصوم ولا الصلاة ولا على الزوج أن يجامعها حتى تنقضي ويتم الطهارة منها. وعند الإجهاض لجنين مخلق كأن يكون الإجهاض بعد الشهر الخامس فيجب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه، وله كل ما للطفل من أحكام حين يتوفى.

في أي الشهور من الحمل يكون الجنين مُخلفًا؟

يبدأ الجنين بالتخليق بعد (80 إلى 90) يومًا من الحمل. لما أفاد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح)) رواه البخاري.

فدلنا حديث رسول الله على المراحل التي يمر بها الحمل وهي ثلاثة مراحل:

  • 40 يومُا لتكوين النطفة.
  • 40 يومًا لتكوين العلقة.
  • 40 يومًا لتكوين المضغة.

ثم ينفخ الله تعالى الروح في الجنين بعد اكتمال 120 يومًا، ويكون التخليق في المرحلة الثالثة وهي تكوين المضغة، كما يدل على ذلك قول الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ [الحج:5].

ومعنى التخليق في قول الله تعالى أن يبدأ في التشكيل على هيئة البشر، ولمن أراد الاستزادة والاستقصاء بالتفصيل فليرجع إلى (رسالة في الدماء الطبيعية) الفصل السادس في النفاس وأحكامه، صفحة 40، لمحمد بن صالح بن عثيمين.

إذا تم الإجهاض وكان الجنين غير مُخلقًا

لو كان الجنين غير مُخلقًا، أي لا يظهر فيه خلق الأطراف ولا أيٍ من أعضائه كأن يكون قطعة لحم فقط أو دمًا فقط، فيُحكم على السيدة بحكم المستحاضة ويجوز لها الصلاة بالوضوء لكل صلاة والصوم ويجوز للزوج جماعها؛ لأن دم الاستحاضة دم عرق كالرعاف بالأنف، ولا نسويه بدم الحيض أو دم النفاس لا في الحكم ولا في السبب، ونقل ابن جرير الطبري أن عليها من الفرائض كل ما على الطاهرة.

كيف تتم الطهارة بعد الإجهاض ؟

لابد من تعلُم الطريقة الصحيحة للطهارة وهو الغُسل من النفاس أو من الحيض أو من الجنابة، فقد جاء في الشريعة الإسلامية الوصف الكامل للاغتسال وهو ما يُسن عن النبي صلى الله عليه وسلم للاقتداء به ويكون كالآتي:

  • غسل اليد ثلاثًا.
  • غسل الأعضاء التناسلية.
  • الوضوء كوضوئه للصلاة مع تأخير غسل الرجلين لنهاية الاغتسال حتى لا يعلق بها شيئًا من النجاسـة بسبب سكب الماء من أعلى الجسد نازلًا للأسفل.
  • يتم سكب ثلاث حفنات من الماء على الرأس ثلاث مرات حتى وصوله إلى أصول الشعـر، ويتم فك الضفائر حتى يصل الماء إلى جذور الشعر.
  • ثم يتم سكب ثلاث حفنات من الماء على باقي الجسم بدءًا بالنصف بالميمنة ثم الميسرة.
  • ثم بعد تمام الفراغ من غسل جميع البدن يتم غسل القدمين.
  • يُستحب للسيدة بعد التطهر من النفاس أو الإجهاض أن تضع بعض المسك أو الطيب على قطعة من القطن وتقوم بمسح فرجها لإزالة رائحة الدم وأثره نهائيًا.

والدليل على ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله، فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوئه للصلاة، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه”.

لعلني قد أكون أوجزت الفائدة التي أدعو الله أن ينتفع بها الكثير من الناس في كلامي عن مسألة الطهارة بعد الإجهاض، وأن أكون قد وفقت في سردي للموضوع سردًا لا ملل فيه لأن الدين يدعونا إلى البحث والتدقيق في مثل هذه المسائل والاهتمام بشأنها. وأدعو الله أن يُعلمنا بما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، اللهم آمين يا رب العالمين.