تنبثق أهمية البحث في كل ما يخص صحة الحامل في شهر رمضان من الاختلاف البيِّن بين الحوامل وبعضهن من حيث قوة الاحتمال لأداء الفريضة المباركة، ففي الوقت الذي تمتلك بعض الحوامل القوة الجسدية والصحية التي تسمح لهن بالصيام، يصعب على البعض الآخر منهن الصيام؛ خوفًا من توابعه على صحتها وعلى حياة الجنين.
موقف الشريعة الإسلامية من صيام الحامل
تؤكد جميع الإحصائيات بدول العالم الإسلامي على أن 3 من كل 4 حوامل يتزامن شهر رمضان الكريم مع مرحلة من مراحل الحمل.
ومن المعلوم بالضرورة أن صيام رمضان فريضة واجبة على كل بالغ عاقل، غير أن حرص الدين الحنيف على صحة الحامل في شهر رمضان؛ فقد أجاز للحامل – وللمرضعات أيضًا – الإفطار، إن كان الصيام يُمثل ضررًا صحيًا على صحتها أو على صحة الحمل أو على حياة الجنين أو الطفل.
وبناءً على هذه القاعدة الشرعية يُصبح القرار بصيام الحامل أو بعدم صيامها بيد الطبيب وحده، حيث يتخذ قراره بناءً على المُعطيات الصحية التي بين يديه.
حقائق بحثية حول تأثير صحة الحامل في شهر رمضان
تناولت العديد من الدراسات والأبحاث الطبية والشرعية صحة الحامل في شهر رمضان، وتأثير الصيام على الحامل وعلى الجنين، وواقعيًا ركزت مُعظمها على العلاقة المُباشرة بين الصيام وبين وزن الجنين، وعلى تأثير الصيام على استمرارية الحمل واكتماله.
وفي هذا الصدد يُشار دومًا إلى مجموعة دراسات أُجريت على حوامل مسلمات من دول تركيا واليمن وإيران، وقد خلصت كلها إلى عدم وجود أي علاقة بين صيام الحامل لشهر رمضان وبين وزن الجنين، حيث أثبتت بالأدلة والعينات عدم تأثر صحة الحامل في شهر رمضان للحدود التي تُلقي بظلالها على وزن الجنين داخل الرحم.
أما من حيث تأثير الصيام على صحة الحامل في شهر رمضان وما يتبعه من التأثير على اكتمال مراحل الحمل لنهايتها؛ فقد تناول هذا الجانب البحثي دراسة طبية أُجريت في دولة ماليزيا، وخلصت إلى أن صيام رمضان له دور في تقليص الفترة الزمنية للحمل بمُعدل يتراوح بين 4 إلى 7 أيام على الأكثر.
في العام 2009م اهتم مجموعة من الباحثين البريطانيين بالتعاون مع مراكز أبحاث في دولة اندونيسيا بالبحث في تأثير الصيام على صحة الحامل في شهر رمضان وتوابعه على الأجنة على المدى البعيد، علمًا بأن الدراسة استندت على نتائج مسح وطني بالدولة شمل ما يُقارب 30 ألف حامل.
ما جاءت به نتائج الأبحاث
جاءت النتائج صريحة في أن الصيام لا يؤثر على صحة الحامل في شهر رمضان بالقدر الذي يُمكن اعتباره خطرًا داهمًا على صحة أو حياة الجنين آنيًا أو مُستقبلًا. وعلى الجانب الآخر للصيام بعض الدلالات التي ينبغي الاهتمام بها والانتباه إليها، حيث يُعد ظهورها مؤشرًا على خللٍ صحي بعيد في مدى الظهور على الطفل، ومنها:
- ظهرت بعض الفروقات الذهنية بين بعض الذكور ممن صامت أمهاتهم وبين من لم تصم أمهاتهم أثناء الحمل، حيث ارتفعت مُعدلات الذكور الذين تركوا المدرسة مُبكرًا بين أطفال الفئة الأولى.
- ارتفعت بقدرٍ محدود العدد والنسبة مُعدلات التأثيرات الصحية السلبية على الأطفال الذين صامت أمهاتهم أثناء الحمل بعد بلوغهم، حيث عانوا من بعض الأمراض، مثل: أمراض القلب، أمراض الشرايين والأوعية الدموية، السكري، ارتفاع ضغط الدم، أمراض الكلى، فقر الدم.
- كما ألمحت الدراسة إلى أنه أحيانًا يؤثر الصيام على صحة الحامل في شهر رمضان للدرجة التي يُعزى معها ارتفاع مُعدل وفيات الأجنة الذكور بالرحم أو عند الولادة، خاصةً مع الصيام خلال الثلث الأول من الحمل. كما ألمحت إلى أن مُعظم الحوامل يصمن شهر رمضان أثناء الحمل لاستصعاب تعويض الفريضة لاحقًا.
قد يهمك أيضًا: الانيميا عند الحامل أعراضها وطُرق العلاج والوقاية منها
صحة الحامل في شهر رمضان
نتائج الدراسة البريطانية الإندونيسية سالفة الذكر قد تُوحي بأن الصيام ذو أضرارٍ جمّة على صحة الحامل في شهر رمضان، أو على الطفل جنينًا وطفلًا وراشدًا، الحقيقة أن كل ما جاء من نتائج يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالدلالات الصحية التي ظهرت أثناء صيام الحامل وأُهملت.
من هُنا يتأكد بالدليل القاطع سماحة الشريعة الإسلامية، تبعًا لجعلها قرار صيام الحامل أو عدمه بيد الطبيب المُتخصص، وبناءً على طبيعة صحة الحامل وقدرتها على التحمل.
أما من حيث الأضرار المُباشرة – والأكيدة – للصيام على صحة الحامل في شهر رمضان فلا تعدو كونها تأثيراتٍ سلبية نادرة الحدوث إن تمت استشارة الطبيب وعمل الفحوصات قبل الصيام، ومنها:
- انخفاض مستوى السكر بالدم، وعادةً ما يحدث ذلك كنتيجة مُباشرة لسوء التغذية أثناء الصيام وليس للصيام نفسه.
- انخفاض كميات الأكسجين والسكر التي تصل إلى الجنين بالرحم، وهو ما يؤثر بالضرورة على اكتمال نمو الجمجمة والوجه، ومن ثَم تزيد فرص تحقق المُشكلات الصحية والعقلية المُختلفة إبان أي مرحلة من مراحل الحياة.
قد يهمك أيضًا: أسباب الاجهاض في الشهر الأول وطُرق الوقاية
شهور الحمل الأسلم للصيام
بما أن الصيام المُتزامن مع الحمل يُحدث بعض التغيرات الفسيولوجية والكيميائية المؤثرة في صحة الحامل في شهر رمضان – دون تأثير مهدد للحياة طالما تم مُراقبة الحالة الصحية للحامل -؛ فكان من الباحثين أن قسموا أشهر الحمل إلى مراحل ثلاث لها دخل في السماح أو عدم السماح للحامل التي لا تُعاني أي أمراضٍ عضوية حادة أو مُزمنة بالصيام، وهي على النحو التالي:
الثلاثة شهور الأولى: يُسمح للحامل بالصيام طالما تتمتع بصحة جيدة ولا تُعاني أي مُشكلةٍ من المُشكلات الاعتيادية كالوحام والقيء والغثيان والدوار.
الثلاثة شهور الوسطى: يُسمح للحامل بالصيام طالما أن الأوضاع الصحية العامة والمُرتبطة بالحمل مُستقرة، بل ويعتبرها الأطباء أفضل فترات الحمل ملائمة للصيام.
الثلاثة شهور الأخيرة: غالبًا ما تُمنع الحامل من الصيام، خصوصًا إن كانت تُعاني من أي مُشكلةٍ صحية ولو بسيطة.
المؤشرات التي يُمنع معها الصيام تمامًا
في مرحلة من مراحل الحمل يُمنع على الحامل تمامًا صيام رمضان إذا ما ظهرت الأعراض والمؤشرات الآتية:
- انخفاض وزن الجنين.
- قلة كمية السائل اﻷمنيوسي حول الجنين، وبخاصة في الثلث الأخير من الحمل.
- إذا ما كانت الحامل تُعاني من مُشكلةٍ صحية بالمسالك البولية، خصوصًا الأمراض التي تتطلب شرب كمياتٍ كبيرة من السوائل.
- الحوامل مريضات السكري المُعالجات بالإنسولين؛ نظرًا لاحتمالية حدوث هبوط حاد بمُستوى السكر بالدم وارتفاع الأسيتون فيه أثناء الصيام.
- الحوامل مريضات التهاب الرئة المُزمن الناتج عن الإصابة بمرض الربو الشعبي.
- من سبق لها الإصابة بالجلطات الدموية بالأوعية أو بالشرايين.
- عند الحمل في توأم أو أكثر.
- عند الإصابة بتسمم الحمل أيًا كان نوعه.
- عند الإصابة بارتفاع في ضغط الدم أو زيادة في وزن الجسم كنتيجة لاحتباس السوائل والأملاح بالجسم.
- عند ارتفاع مُعدلات الزلال في البول.
قد يهمك أيضًا: أعراض تنذر بـ اجهاض الجنين وكيفية تفاديه
نصائح غذائية للحامل أثناء الصيام
السلوك الغذائي للحامل بشكلٍ عام له تأثيره الكبير على صحة الحمل وصحة الجنين، ومع الصيام فإن دوره يتعاظم على صحة الحامل في شهر رمضان وفيما يليه لحين الولادة، من هنا تعددت التوصيات الغذائية لصيام صحي أثناء الحمل، وأهمها:
تصغير الوجبات وتعديدها: فمن الإفطار إلى السحور من المهم ألا تتجاوز المدة الزمنية بين الوجبات من الساعتين إلى ثلاثة على الأكثر، وذلك لتوفير أكبر قدر مُستمر من السعرات الحرارية والمغذيات لجسم الحامل ولجسم الجنين.
الإكثار من تناول الأغذية الغنية بالكالسيوم: وأهمها الحليب ومنتجاته، حيث من المفترض على الحامل الصائمة أن تمد جسمها بما لا يقل عن 4 حصص غذائية من الأغذية الغنية بالكالسيوم وخصوصًا الحليب.
تجنب تناول الكبد ومُكملات الأوميجا 3: نظرًا لاحتوائها على مُعدلات كبيرة من فيتامين A الذي يُعزز إصابة الجنين بالتشوهات الخلقية.
تجنب مُنتجات التونة المعلبة: نظرًا لاحتمالية احتواءها على مُعدلات مُرتفعة من مادة الزئبق التي تُعد مسئولة عن تعزيز إصابة الجنين بالإعاقات الذهنية مُستقبلًا.
التركيز على تناول الخضروات والفواكه الطازجة: نظرًا لأنها غنية بالفيتامينات والمعادن والمغذيات الأساسية لنمو الجنين.
تناول الحبوب الكاملة: لدورها في تعزيز شعور الشبع ومن ثَم الوقاية من زيادة الوزن المُبالغ فيها وما يتبعها من مُضاعفاتٍ صحية، وكذلك لدورها في الوقاية من الإمساك.
الإكثار من شرب الماء: مع تجنب السوائل المُصنعة والمشروبات الغازية والمشروبات الغنية بالسكر الأبيض.
التقليل من استهلاك السكريات والحلويات: نظرًا لدورها في إمداد الجنين بمُعدلات مُرتفعة جدًا من السعرات الحرارية منعدمة القيمة الغذائية.
الاهتمام بتناول البروتينات: بجميع أنواعها الحيوانية والنباتية، مع ضرورة تجنب اللحوم المُصنعة والمُعلبة.
لا بد من تعزيز صحة الحامل في شهر رمضان لضمان عدم تأثير الصيام على الجنين وعليها، كما يجب الانتباه الكامل لأي أعراضٍ صحية تظهر أثناء الصيام لمُتابعة الطبيب فورًا.
للمزيد: كيف تتحكم في نسبة املاح الكلى وما مخاطر زيادتها ونقصانها خاصة أثناء الحمل؟
متى يُشكل مرض ارتفاع ضغط الدم خطرًا على الحامل وكيف يُمكن علاجه بسرعة؟
مرض الذئبة الحمراء هل هو خطير مع الحمل .. المخاطر المحتملة ونصائح هامة