تمثل ظاهرة الكذب عند الطفل خيبة أمل كبيرة عند أولياء الأمور، حيث يتملكهم شعورًا عميقًا بالفشل في التربية بمجرد اكتشافهم أن الطفل يكذب. حقيقةً، لا تُعد مشكلة كذب الأطفال دليلًا واضحًا على سوء تربية الطفل إلا بشروط وظواهر وملحقات كثيرة، وما دون ذلك فهي ظاهرة أشبه بالطبيعية التي تحدث لكل الأطفال، يضيف هذا المقال مزيدًا من الحقائق والتفاصيل حول هذا الموضوع.
تعريف الكذب
من الناحية اللغوية والحياتية يُعرف الكذب على أنه عدم قول الحقيقة بالأساس، أو المُبالغة والإضافة دون الالتزام بالحقيقة الفعلية، أو اختلاق سرديات وهمية تمامًا تجافي الحقيقية نهائيًا ولا وجود لها على أرض الواقع.
أما علم النفس فقد عرف الكذب على أنه ردة فعل انفعالية يلجأ إليها الإنسان لتحقيق مكسب ما أبسطه دفع الشعور بالذنب الذي قد يُصاحب قوله الحقيقة.
أسباب الكذب عند الطفل
يحدث أن يتلبس الأطفال بالكذب كنتيجة لمجموعة من الأسباب والعوامل والدوافع، حتى إن منها ما هو محمود الغاية، غير أن اتخذا الكذب وسيلة لتحقيقها يُوسعها مقتًا وازدراءً من المُحيطين والأهل، ومن بين أبرز أسباب الكذب عند الطفل ما يلي:
- التميز وسط الرفقاء والظهور بصورة أفضل من خلال الإيهام بفعل أشياء تثير الإعجاب، في حين أن الطفل واقعيًا لم يفعلها، لتُصبح كل حكاياه محض كذب صريح.
- الهروب والتملص من القواعد المفروضة عليه سواءً في المنزل أو في المدرسة أو في النادي… إلخ، تبعًا لشعور الطفل بكثرة وشدة هذه القواعد للحد الذي لا يفوق احتماله، ومن ثَم يُخالفها ثم يكذب أمام الجميع ليظهر بمظهر الطفل المُلتزم.
- فقدان المهارات الاجتماعية من أكثر أسباب الكذب عند الطفل شيوعًا، حيث يفتقد الأطفال بصفةٍ عامة وواضحة مهارات التواصل الاجتماعية، وبالتالي يلجؤون إلى الكذب كمحاولةً منهم لمداراة مشاعرهم وانطباعاتهم السيئة عن شيء أو حدث ما لئلا تنجرح مشاعر الآخرين أو لئلا يُنعتون بالفظاظة وقلة التربية، كأن يكذب الطفل ويقول عن هدية عيد ميلاده أنها رائعة في حين أنه يمقتها ولم تروق له.
- الهروب من العواقب من أسباب كذب الطفل، حيث يتوهم الأطفال في الكذب بأنه طوق نجاة من أي عواقب أو أضرار قد تلحق بهم نتيجة لما فعلوه بدون استئذان من الأهل، ليمثل الكذب عند الطفل هُنا بابًا أوحد لحل المُشكلات.
قد يهمك أيضًا: كيف اجعل الطفل يدافع عن نفسه دون جعله عدوانيًا وفظًا مع الجميع
أنواع الكذب عند الأطفال
من جملة الأسباب المذكورة آنفًا يتأكد لنا وجود أنواعًا مُختلفة من الكذب الذي يمارسه الأطفال، وتحديد نوع الكذب يُساعد في حل المُشكلة من الجذور وليس ظاهريًا فقط، لأن تقويم السلوك الخاطئ يحتاج أولًا إلى فهم ماهية هذا السلوك ودوافعه.
الكذب للتعويض
حيث الكذب عند الطفل ناتجًا عن منهجية التربية المشروط، أي أن الطفل يلجأ إلى الكذب لكسب الرضا والإعجاب والحنان، وهو تصرف نابع من ربط الأهل في التربية – بوعي أو بدون وعي – بين الحب وبين سبب ملموس.
كأن يشعر الطفل بأن محبة والديه ناتجة عن تفوقه الدراسي، فيكذب ويُداري الدرجات السيئة ليظل يحظى بهذا الحب، وأساس المُشكلة هُنا هي الأهل وليس الطفل، حيث يظلا يرددان حقق كذا وسأحبك وسأكافئك و..و..، ليترجمه الطفل كذبًا إن لم يحدث ليظل شرط الحب والمكافأة موجود.
الكذب للفت الانتباه
وعادةً ما يقع في فخ هذا النوع من الكذب الطفل المُدلل بزيادة حد الأنانية؛ ليظل يحظى باهتمام الأهل فيختلق ما لم يفعله، وأيضًا الطفل الفاقد للاهتمام الكافي لانشغال الأهل أو تفضيلهم لأحد الأخوة عن الآخرين، فيكذب ليجذب الانتباه حتى وإن اضطر للكذب ليقع عليه عقاب، وهُنا تُعتبر مُشكلة الكذب عند الطفل مردها إلى الوالدين وليس الطفل نفسه.
الكذب للانتقام
وهذا النوع من الكذب صيغة مطورة من الكذب لجذب الانتباه٬ حيث يلجأ الطفل إلى الكذب وإلقاء الاتهامات على الآخرين من الأخوة أو الأقران انتقامًا من اهتمام الوالدين أو المعلمين بهم وإهماله، لتُصبح قواعد العدل والمساواة هي المخرج في علاج هذا النوع من الكذب.
قد يهمك أيضًا: الأطفال الرضع والتلفاز ومدى صحة تأثيره على ذكاء الطفل وتوحده
الكذب للدفاع
وهو الصورة الأكثر انتشارًا من الكذب عند الأطفال، حيث تُمثل الدافع وراء أكثر من 70% من حالات الكذب عند الطفل، فلكي يتجنب الطفل العقوبة من الأهل أو من المُعلمين يكذب.
الكذب الادعائي
وهو ناتج عن الشعور بالنقص والحرمان، لذلك ينتشر بين فئة المُراهقين، وهذا لا ينفي لجوء الأطفال إليه، حيث يبالغ الابن في ادعاء واختلاق ما ليس حقيقيًا لاستدرار عطف المُحيطين أو لمجاراتهم.
الكذب للكسب
حيث تظهر علامات الكذب عند الطفل بداعي الحصول على أشياء هو يعلم يقينًا عدم تمكنه من الحصول عليها إلا من خلال الكذب، كأن يطلب نقودًا للمدرسة في حين أنه يريدها لشراء غرضٍ ما.
تقليد الكذب
كأن يتواجد الطفل في بيئة تنتهج الكذب أسلوبًا حياتيًا، فتكون المُحصلة هي كذبه كما الآخرين.
قد يهمك أيضًا: مراحل تطور الطفل الطبيعي بعد الولادة من عمر اليوم إلى العامين
آلية كشف الكذب عند الطفل
مجموعة من الممارسات البسيطة التي يُمكن للأهل من خلالها التأكد من قول ابنهم للحقيقة أو من كذبه، وهي:
- تدقيق النظر إلى ملامح وجهه وهو يتحدث، فالأطفال عمومًا يكون وجههم مسترخيًا غير عابس عند قول الحقيقة.
- الاستماع الجيد لكل كلمة يقولها الطفل، لأن الأطفال حين يكذبون يسردون روايات غير مقبولة عقلًا وغير منطقية.
- عند التأرجح والشك بين صدق الطفل وكذبه يُمكن طلب إعادة القصة من أولها، فعند اختلاف التفاصيل يتأكد كذب الطفل، أما إذا استقر الطفل على قول نفس الوقائع والتفاصيل فهو صادق.
- التركيز مع لغة الجسد وانفعالات الطفل مؤشر على صدقه أو كذبه.
علاج الكذب عند الطفل
لأن ظاهرة الكذب عند الطفل بطبيعتها مُشكلة سلوكية إجرائية؛ فإن علاجها هو الآخر يأخذ نفس المُنحى ونفس الطابع، وبمعنى آخر أن علاج الكذب عند الطفل يحتاج من الأهل تعديل بعضًا من سلوكياتهم في تعاملهم معه، ولمزيدٍ من التوضيح نسرد الخطوات الإجرائية الآتية:
تجنب الحديث مطولًا
علاج الكذب عند الطفل لا يلزمه إلقاء المحاضرات والخطب الرنانة على مسامع الطفل، فلا طائل منها، والأجدر تحري الدوافع وعلاجها بالحلول المُباشرة.
قد يهمك أيضًا: عدد ساعات النوم التي يحتاجها الطفل حديث الولادة
توضيح عواقب الأفعال
التنبيهات الواضحة والجدية من الأهل في تعاملهم مع الطفل منجاة من وقوعه في الكذب، بمعنى أنه لا بد وأن يوضح الأهل للطفل أن عواقب فعل كذا هي كذا وكذا و..و… بحزم وجدية، ولكن الميوعة في تنفيذ العقاب تجعل الطفل يتخذ من الكذب مخرجًا لأي أفعالٍ مشينة.
علاج السبب مُباشرةً
من الضروري عند حل مُشكلة الكذب عند الطفل صب الاهتمام على تحديد السبب المُباشر فيها دون الدخول في متاهات وفرعيات لا تُفيد.
تجنب العنف في رد الفعل
طمأنينة الطفل من عقلانية الأهل تحثه على الحديث معهم وإخبارهم بأريحية عند كذبه لأول مرة، وهو ما يُمكن أن يحول دون تكرار الكذب لمراتٍ أخرى، ولكن ردود الفعل الهوجاء والصراخ والشدة المُفرطة قد تنحى به إلى سرد مزيدًا من الأكاذيب حتى تُصبح صفة أساسية فيه.
الوقت المُناسب
اختيار الوقت المُناسب والطريقة المثالية لكشف كذب الطفل من أسس العلاج الهامة، لذلك لا حاجة للاندفاع والمواجهة المُباشرة معه قبل ترتيب الأفكار وتحديد خيارات العقاب الحاسمة.
قد يهمك أيضًا: تعرفي على سبب بكاء الطفل أثناء النوم وعلاجه
تجنب وصف الطفل بالكاذب
تكرار وصف الطفل بالكذّاب مدخلًا لفقدانه الثقة بنفسه، حتى إنه قد يُصدق هذا الوصف فيه ويعتاد على إثره الكذب مرارًا وتكرارًا، لكن المُبادلة ما بين المدح في مواقف الصدق والتعنيف دون إفراط في مواقف الكذب يُشعره بالذنب ويدفعه للإفصاح عن أخطاءه.
طبيعة السن الصغير
يتسم الكذب عند الطفل الأقل من خمس سنوات في العمر بالكوميديا والهزل، حيث قد نجده مثلًا يؤكد على أن الدمية هي المسئولة عن كسر الإناء، وبالرغم من الطابع المُضحك للموقف، إلا أنه من الضروري عدم إهماله دون توجيه أو تعنيفه بشكلٍ خاطئ يُفاقم من ظاهرة الكذب عند الطفل، والتصرف الصحيح هُنا هو مسايرة الطفل حتى الوصول إلى الحقيقة الكاملة، وبالتالي فقد أعفينا الطفل من مواجهة نفسية تدفعه للهروب، وأيضًا قد بيَّنا له خطورة وقبح الكذب بهدوء.
التشجيع على الصراحة
التشجيع المستمر على الصراحة والصدق يُساعد الطفل على التحلي بهما، وأهم وسائل التشجيع التحفيز المادي والمعنوي، وكذلك سرد القصص والحكايات، التأكيد المُستمر على الإعجاب بالأطفال الصادقين، وإذا ما اضطر الطفل للكذب يومًا ثم صارح أهله بكذبه؛ فإن إخباره بالفخر به لقوله الحقيقة يُفْهِمَه أن الصراحة ليست صعبة وليست قاتلة.
تجنب وضع الطفل تحت ضغط
بعض الأسئلة المباشرة تضع الطفل تحت ضغط وتوتر يدفعانه إلى الكذب للهروب من المُشكلة، فمثلًا لا وجه للاندفاع وسؤال الطفل مُباشرةً عمن سكب الحليب أو كسر الكوب، ولكن الأجدر الخروج من الأجواء المشحونة للحادثة مع النقاش الهادئ، كأن تخبره الأم مثلًا “لقد وقعت حادثة وانسكب الحليب، علينا تجفيف الأرض معًا”، وفي الأثناء يدور حوار هادئ حول الحادثة وأسبابها وأن البالغين قد يُسكب منهم الحليب رغمًا عنهم.
عزل الطفل عن البيئات التي تضطره إلى الكذب
علاج أمثل لمُشكلة الكذب عنده، فأحيانًا يُوضع الأطفال في بيئات اجتماعية تضطرهم إلى الكذب لمجاراة الأقران في المُستوى الاجتماعي أو الأكاديمي أو .. أو… للهروب من الحرج، وبالتالي فإن خروج الطفل من مثل هذه البيئات الضاغطة تحول دون انتهاجه الكذب صفة أساسية في التعامل والإشباع النفسي.
تحديد عقوبة الكذب
من الضروري تحديد عقوبة مُستقلة بالكذب، بمعنى أن يُعاقب الطفل على فعلته المُشينة، ويُعاقب بالتزامن على كذبه وإنكار تلك الفعل، مع عدم التهاون أو التقصير في تنفيذها، مع ضرورة توضيحها للطفل من البداية وِقبل الوقوع في الكذب، ونشير هُنا إلى أن العقوبات القاسية والضرب والعقوبات المُبالغ فيها قد تأتي بنتائج عكسية، لذلك لا بد من تحديد عقوبة تُناسب الفئة العمرية للطفل وعلى قدر الكذبة.
الكذب كصفة مجتمعية لها خطورة عظيمة لدورها في فقدان الثقة بين أفراد المُجتمع، وهو ما يفتت عضض تعايشهم معًا، لذلك من الضروري توقيف هذه الصفة الذميمة مع التنشئة، بشرط أن تُفهم ظاهرة الكذب عند الطفل ودوافعها، لعلاج الجذور وليس علاج الظواهر.
للمزيد: كيف تعلم طفلك تقدير قيمة المال دون أن يتعلم البخل