الجمع بين حصوات المرارة والحمل يُمثل عبئًا صحيًا ومنبتًا لآلام عضوية لا تُحتمل، وإذا ما أُضيف إلى ذلك صعوبة – بل وخطورة – علاج الحامل بغالبية الأصناف الدوائية وقليلًا من التدخلات الجراحية على حياتيّ الأم والجنين؛ يُصبح علاج حصوات المرارة أشد تعقيدًا.
في هذا المقال نتتبع العلاقة الصحية بين المرارة والحمل في محاولة لفهم أبعاد وزوايا الموضوع تلمسًا لزيادة الوعي الصحي، وإسهامًا في مساعدة مريضات المرارة من الحوامل.
ماهية المرارة
تأخذ المرارة شكل الكيس الصغير الحجم، وتقبع أسفل الكبد، ويلعب هذا الكيس دورًا في احتواء ما يُعرف بالعصارة الصفراوية (سائل أصفر اللون يتكون من الماء وأملاح الصفراء والكوليسترول) المسؤلة عن هضم عنصر الدهون الداخل إلى الجسم عبر النظام الغذائي والأطعمة المتناولة.
حصوات المرارة
سبق وذكرنا أن العصارة الصفراوية عبارة عن سائل أصفر مُتكون من الماء والكوليسترول وأملاح الصفراء، فإذا ما ارتفعت مُعدلات الكوليسترول بالعصارة الصفراوية بالتزامن مع انخفاض مُعدلات أملاح الصفراء؛ قد ينشأ عن ذلك تكون حصوات بالمرارة.
وجدير القول أن حصوات المرارة تُعد واحدة من أبرز الأمراض العضوية معدومة الأعراض تقريبًا، أو يُمكننا القول أن أغلب ما قد يُصاحبها من أعراض يتشابه إلى حدٍ بعيد مع العديد من اختلالات الجهاز الهضمي الأخرى، علاوةً على أن عَرَضَها الرئيسي هو الغثيان الصباحي، وبالتالي تنعدم القدرة الذاتية على معرفة الإصابة بها دون اللجوء إلى فحوصاتٍ طبية دقيقة ومُتخصصة.
كما تجدر الإشارة إلى أنه كلما صغر حجم حصوات المرارة كلما صارت أشد ضراوةً وفتكًا وألمًا، لأن صغر حجمها يؤهلها إلى السقوط والتجمع في القناة المرارية، وهو ما قد يتبعه انسدادها.
أعراض الإصابة بحصوات المرارة
قد يُفهم خطأً مما ذُكر عن أعراض حصوات المرارة بأنها غير واردة الحدوث على الإطلاق، وليس هذا هو المقصود، حيث إن حصوات المرارة لها أعراضٍ دالة كغيرها من الأمراض، لكن المُنوَّه عنه آنفًا أنها أعراض شبيهة بكثير أمراض وبكثير أعراض أساسية مع الحمل، حيث إن العَرَض الأساسي لتكون حصوات المرارة – سواءً مع الحامل أو مع غيرها – هو ما يُصطلح عليه طبيًا باسم “المغص المراري”.
المغص المراري هو الشعور بآلامٍ حادة في منطقة البطن ناتجة عن حدوث التهاباتٍ بالجهاز المراري الذي يشمل المرارة والقنوات المرارية معًا، علمًا بأن هذا النوع من المغص وارد الحدوث سواءً وقع انسداد بالقناة المرارية أم لم يقع، وسواءً كان المُسبب الرئيسي له هو تكون حصوات المرارة أو مجرد الإصابة بالعدوى المسئولة لا محالة عن حدوث الإلتهابات.
مما سبق يتضح لنا أن الجهاز المراري كعضو عامل بالجسم أصبح عاجزًا بسبب حصوات المرارة أو لأسبابٍ أخرى عن أداء دوره الوظيفي، ألا وهو إطلاق العصارة الصفراوية للعمل على هضم وتفتيت الدهون المُتحصل عليها من الغذاء.
وتبعًا للتوقف عن هذا الدور يُعاني المريض من هذا النوع من المغص، وثمة أعراضٍ مرضية أخرى مثل الشعور بآلامٍ متوسطة إلى شديدة أعلى البطن وأعلى الظهر وبالأكتاف – خاصة الأيمن – والغثيان والقىء والانتفاخات والغازات، وأحيانًا شدة التعرق أو برودة الجسم أو ارتفاع حرارة الجسم.
هذا ويُفرَّق بين المغص المراري وما سواه من آلام بالجهاز الهضمي بتواتر الشعور بهذا الألم خصوصًا في الجزء العلوي من منطقة البطن عقب تناول الطعام بساعتين، وبشكلٍ أكثر خصوصية وتحديد؛ حال احتواء المُتناول على مُعدلاتٍ مُرتفعة من الدهون، وقد تقتصر نوبة الألم زمنيًا على عدة دقائق، وقد تمتد إلى عدة ساعات.
قد يهمك أيضًا: مرض الذئبة الحمراء هل هو خطير مع الحمل .. المخاطر المحتملة ونصائح هامة
العلاقة بين تكون حصوات المرارة وبين الحمل
ما يُحدثه الحمل بجسم المرأة من تغيراتٍ هرمونية وعضوية له عظيم الأثر على أعضاء الجسم عامةً وعلى الحوصلة المرارية خاصةً، لأن هرومونات الحمل بطبيعتها ذات أثرٍ بيِّن على تأخر إفراز العصارة الصفراوية عبر القناة المرارية، وهو ما يُسهِّل بشكلٍ كبير تكون حصوات المرارة، وطبقًا لهذا التداخل والتأثير فُسِّرت زيادة نسب إصابة الحوامل بحصوات المرارة مقارنةً بغيرهن.
وما قد يتسبب في تأخير اكتشاف حصوات المرارة مُنذ بداية تكونها عند الحامل مدى التشابه بين أعراضها وحالة الغثيان الصباحي التي تنتاب كل حامل دون استثناء.
من هُنا تُنصح كل حامل بمناقشة طبيبها باستفاضة في كل الأعراض التى تشعر بها على مدار الساعة أثناء الحمل، بل وقبل حدوثه (أي الحمل)؛ حتى تُتاح فرصة اكتشاف المرض مُبكرًا والتعامل معه قبل التوغل والاحتداد.
حصوات المرارة وصحة الجنين
بشكلٍ عام لا تؤثر أمراض المرارة بكل أنواعها وأنماطها مُباشرةً على صحة الجنين داخل رحم الأم، ولا يُستثنى من هذه القاعدة الطبية لا حصوات المرارة ولا التهاب المرارة ولا أي مرض كان يُصيب الجهاز المراري بكافة أفرعه.
لكن هذا لا يُنفي التأثير غير المُباشر لحصوات المرارة عليه، حيث إن الأعراض المُصاحبة لتكون حصوات المرارة ذات شأنٍ في إعاقة الحامل عن تناول الطعام والتغذية بشكلٍ جيد، وهو ما قد ينتج عنه سوء في النمو الصحي والآمن للجنين، وما يتبع ذلك من مُضاعفاتٍ مُستقبلية.
قد يهمك أيضًا: متى يُشكل مرض ارتفاع ضغط الدم خطرًا على الحامل وكيف يُمكن علاجه بسرعة؟
آليات تشخيص الإصابة
يلجأ الأطباء إلى مجموعة من الفحوصات الأساسية لتأكيد أو نفي تكون حصوات المرارة بجسم الحامل، ومن أبرز ما يُتبع من فحوصات الفحص السريري، الفحص بالموجات الفوق صوتية (التراساوند أو سونار)، التنظير.
علاج حصوات المرارة بطريقة آمنة أثناء الحمل
ينبغي التأكيد ابتداءً على أن كافة الخطط العلاجية أثناء الحمل لكل أمراض الجهاز المراري بما فيها حصوات المرارة تهدف إلى تخفيف حدة الأعراض دون التطرق إلى إنهاء المُعاناة من المرض بشكلٍ نهائي، حيث يُرحَّل هذا الهدف إلى ما بعد إنتهاء فترة الحمل.
ويبرز العنصر الأول في علاج حصوات المرارة أثناء الحمل في اتخذا الإجراءات التي من شأنها تخفيف حدة الإلتهابات الناتجة عن الحصوات من خلال الإعتماد في التغذية على الأطعمة الخالية الدسم، وتجنب الأطعمة ذات المحتوى المرتفع من الدهون، وذلك في محاولة لمساعدة المرارة على القيام بدورها الوظيفي بالجسم، وقد تأكد لنا بالممارسة العملية أن هذا الإجراء كفيل جدًا بإخفاء الأعراض نهائيًا طوال فترة الحمل.
أما العنصر العلاجي الثاني فيتمثل في ممارسة التمارين الرياضية المناسبة للحوامل لدورها الكبير في تحسين الحالة الصحية لجسم الحامل، وكذلك الحد من الشعور بالأعراض.
والعنصر العلاجي الثالث من المحتمل اللجوء إليه بحسب ما تقتضيه حالة الحامل الصحية، حيث يتجه الطبيب إلى وصف أصنافٍ دوائية وعقاقير تسهُم بشكلٍ جيد وكفاءة عالية في تخفيف أعراض حصوات المرارة وإخفات حدتها، مع ضرورة التنبيه على أن تناول الحامل لمثل هذه الأدوية لا يصح بدون وصفة طبية من مُتخصص، ولا يصح زيادة كميات الجرعات عن الحدود المُقررة من الطبيب تبعًا لما بين يديه من مُعطيات ونتائج للفحوصات.
قد يهمك أيضًا: الحمل في الأربعينات من عمر المرأة هل هو ممكن؟ وما هي مخاطره؟
الخطوة الأخيرة
وأخيرًا؛ قد يضطر الطبيب إلى التدخلات الجراحية كملجأ أخير تجنبًا لوقوع مُشكلاتٍ صحية أعنف أو الدخول في تعقيداتٍ صحية أخطر.
وبالرغم من صعوبة ترجيح هذا الخيار العلاجي لتأثيره المُباشر والخطير على صحة كلًا من الحامل وجنينها؛ إلا أنه حل أوحد قد تفرضه الحالة الصحية العامة.
وقد ساهم التطور التقني الطبي في تسهيل إتمام علاج حصوات المرارة للحوامل، حيث أصبحت تقنية الجراحة بالمنظار هي الأساس المُستخدم كبديل للجراحة، ليقوم الطبيب بعمل شقين صغيرين بالبطن، الأول تدخل منه كاميرا المنظار، والثاني تدخل منه الأدوات الجراحية المطلوبة لاستئصال المرارة بأكملها.
والجراحة على هذا النحو تُعني التخلي عن فتح البطن بصورةٍ أكبر، ومن ثم إتمام العملية في أقصر مدى زمني مُمكن من خلال التخدير الموضعي فقط، ومن ثم تخفيف آلام الجراحة في الأثناء وبعدها.
إذا ما كنتِ تُعانين من حصوات المرارة قبل الحمل أو أثناءه؛ فعليك إخبار طبيب النساء والتوليد بكافة التفاصيل والأعراض، وإذا ما اكتفى الطبيب المُعالج بتخفيف آلام المرض أثناء الحمل؛ فعليك عقب التعافي من الولادة علاج حصوات المرارة من أساسها دون إهمالٍ أو تكاسل.
للمزيد: ما هي اعراض الحمل المُبكرة؟ علامات إن ظهرت تأكدي أنك حامل