إن مسألة تعليم الطفل يدافع عن نفسه ضد ما قد يتعرض له من اعتداءاتٍ بدنية أو لفظية لهي من أعقد مراتب التربية السليمة، نظرًا لأن تفلت وسيلة التربية في هذا الجانب بالذات قد يأتي بنتائج عكسية تجعل من الطفل عدوانيًا وفظًا مع الجميع، وبعد أن كنا نسعى لتعليمه الدفاع عن النفس أصبحنا نخشى على الجميع منه.
عزيزتي الأم تابعي قراءة المقال لتُدركي الكيفية المثلى في هذا الصدد.
الأطفال ونزعة القوة
قبل أن تُفكر الأم في جعل الطفل يدافع عن نفسه ضد الاعتداءات عليها أن تدرك أن الأطفال بطبيعتهم تتملكهم رغبة خفية في إبداء القوة والتحكم في المُحيطين بهم، كما أنهم يجعلون منها وسيلة لجذب انتباه الكبار، ولا أبلغ من العدوان على أقرانهم لإشباع تلك الرغبة وتنمية الشعور بالتفوق والتميز، وكذلك لإثبات الذات وتحقيق شعبية.
من هذا المنطلق نجد أن الطفل المُعتدي عادةً ما يختار ضحيته من بين أقرانه، وفي الغالب هم أولئك الأقران فاقدي القدرة على الصمود أو الكتومين، بمعنى أن الطفل المُعتدي يُحبذ إشباع رغباته في إظهار القوة في الطفل الضعيف نفسيًا الكتوم حتى وإن كانت بنيته الجسدية أقوى.
من هذا المُنطلق يتضح لنا أن عدم قدرة الطفل الدفاع عن نفسه أساسها ومنبتها طبيعته الشخصية الداخلية، وأن جعل الطفل يدافع عن نفسه يبدأ من بلورة شخصيته أولًا بكل صالح ونبيل، لتلعب هذه الشخصية دورها في رفض أي اعتداء عليها، أما التفكير في شحن الطفل وحثه على الدفاع عن نفسه وهو صاحب شخصية غير مُكتملة أو حتى ضعيفة ما هو إلا استنساخ لمُعتدي جديد يبرز نزعات شخصيته السيئة على أقرانه.
من ذلك كله يقع على عاتق الأم مسئولية تصحيح المفاهيم ووضع النقاط على الأحرف وبيان ما يجوز وما لا يجوز، لتُصبح النتيجة النهائية جعل الطفل يدافع عن نفسه على أساس موقف دفعه لذلك، لا أن يصبح عدواني غليظ بقوته على المحيطين به.
قد يهمك أيضًا: كيف تعلم طفلك تقدير قيمة المال دون أن يتعلم البخل
العدوان وأنواعه
يجب أن يعي الطفل ابتداءً الدلالة الحرفية لكلمة عدوان وما يدخل في نطاقها من أنواع، لأنه حينها – وحينها فقط – يُدرك رغم حداثة سنه ما يتوجب فعله، أو بمعنى آخر، فإن إدراك الطفل لماهية العدوان وأنواعه يجعله يُقيِّم الموقف، وبناءً عليه هل سيكون الطفل يدافع عن نفسه؟! أم أنه سيكون معتدي؟!
بعيدًا عن تعقيداتٍ لغوية أو تربوية يُمكننا وصف العدوان بأنه الجور على حق من حقوق الطفل أو مُمتلكاته، وأيضًا أي ممارساتٍ تُشعر الطفل بالوحدة أو بالعزلة أو بعدم الأمان، وفي الغالب ما سيأخذ بين الأطفال واحدًا من الأشكال الآتية:
العدوان البدني
بالتهديد أو بالضرب أو بالركل أو بالدفع، وفي ذات السياق أيضًا سرقة المُتعلقات الشخصية أو اخفاءها أو تدميرها، وكذلك اجباره على فعل ما لا يرغب فعله.
العدوان اللفظي
ويأخذ أشكال السخرية أو التنابز بالألقاب أو الشتم والإهانة.
العدوان العاطفي
ويتمثل في التجاهل أو إشاعة الأكاذيب عن الطفل وسلوكه وسمعته بهدف تدميره.
تجدر الإشارة إلى أن أحدث الإحصائيات التي أشرفت عليها مُنظمة الأمومة والطفولة التابعة لهيئة الأمم المتحدة قد أكدت على أن 70% من الأطفال يتعرضون لشكلٍ من أشكال الإيذاء من أقرانهم وبخاصة أثناء المراحل المدرسية.
قد يهمك أيضًا: السباحة للصغار .. كيف تتجنبون غرق الأطفال عند نزولهم للماء
سمات الضحية وانعكاسات الإيذاء
الأم التي تفكر في جعل الطفل يدافع عن نفسه تحتاج إلى التعرف على خصائص وسمات الطفل الضحية، ومن ثَم مُطابقة تلك السمات على طفلها، ومن ثَم رسم الخطة وتحديد البرنامج الفعال لتحقيق الهدف المرجو، حيث لن يتواجد الطفل في خانة الضحية إلا إذا اتسم بـ:
- ضعف البينة الجسمانية.
- الخوف والتقوقع.
- الشخصية القلقة والمُتوترة على الدوام.
- الخجل الشديد.
- تدني تقدير الذات.
جدير القول أن الطفل فاقد القدرة على الدفاع عن نفسه في مواقف المُضايقات والاعتداءات عادةً ما تنازعه مشاعر سلبية مثل الوحدة، الفشل، فقدان الأمان، العُزلة وتجنب الأنشطة الجماعية وارتياد الأماكن العامة.
وأهم الانعكاسات السلوكية لفقدان القدرة على الدفاع عن النفس هي التكتم الشديد وعدم الحديث مُطلقًا عما تعرض له من إيذاء.
قد يهمك أيضا: ما هو السن المناسب عند دخول الطفل المدرسة ولماذا؟
جعل الطفل يدافع عن نفسه
ما إن نتأكد من الحاجة لجعل الطفل يدافع عن نفسه علينا وضع برنامج علاجي يرتكز على ثلاثة محاور، الأول هو ما ذكرناه من إيضاح مفهوم العدوان للطفل حتى لا يتخذ من كل تصرف من أقرانه ذريعة للعدوان عليهم متحججًا بأنه يُدافع عن نفسه، أما المحورين الآخرين فيتمثلان في:
بناء شخصية الطفل
وذلك من خلال:
- تغيير الصفات التي جعلته الضحية في كل موقف.
- تدريب الطفل على احترام ذاته وقبولها كما هي ليتحقق له النجاح والإيجابية في المجتمع، وبالطبع لن يُثمر ذلك مع الطفل إلا إذا تخلى الأهل عن احترامهم لشخصية طفلهم، فكثرة مقارنة الطفل بآخرين في الأفعال والأقوال يُعزز تدني تقديره لذاته ونظرته السلبية لها والأهل لا يشعرون.
- في المواقف المُختلفة وإن كان الطفل ضحية لا ينبغي أن يُنقل هذا الشعور له، نظرًا لما يُصاحبه من إحساس بالألم والدونية.
- ينبغي ترك مساحة للطفل لإبداء الرأي والتجربة والخطأ دون تعنيف أو نهر أو فرض وصاية وحماية عليه، فلن يملك الطفل موهبة اتخاذ القرارت والتصرف في المواقف المُختلفة، ولن يكون الطفل الذي يُدافع عن نفسه ضد الاعتداءات إلا إذا جرب وأخطأ.
- إدارة الطفل لجزء من شئونه الشخصية وإشراكه في بعض القرارات الأسرية يُكسبه ثقةً بالنفس.
- ينبغي تدريب الطفل على المطالبة بحقه والتعبير عن رأيه بالقبول أو بالرفض، وما لم تبدأ هذه الممارسة من المنزل فلن يقدر الطفل على تنفيذها في الخارج.
- تعليم الطفل المواجهة وعدم الهروب أو المراوغة أساس في جعل الطفل يدافع عن نفسه حال الاعتداء عليه، لذلك من الضروري تدريب الطفل على النظر في عين من يحدثه أثناء الحديث، وتدريبه على الصراحة الكاملة مهما كانت العواقب.
- لا ينبغي تعليم الطفل رد العدوان بالعدوان لمجرد إشباع الأنا الذاتي، بل لابد من تعليمه تقييم المواقف والتصرف طبقًا لتقييمه.
- سرد الأهل لقصص وحكايات الاعتداء عليهم في الصغر وطريقة تعاملهم مع هذه الاعتداءات يُنمي لدى الطفل الشعور بأنه ليس وحيدًا وأنه أمرٌ وارد الحدوث مع الجميع.
- منح الطفل مجموعة من الخيارات أثناء الاعتداء عليه يُعزز من قدرته على الدفاع عن نفسه، فمثلًا نطلب منه اللجوء إلى مُعلمة الفصل أو إلى المدير أو العودة للمنزل وسرد ما حدث مع الأم، فكلها ممارسات تُساهم في تعزيز قدرته على اتخاذ القرار.
- تدريب الطفل على العمل في جماعاتٍ صغيرة من الأصدقاء دون مهاجمته لأحدهم أو قبول هجوم أحد عليه.
الاهتمام بالبناء الجسدي للطفل
وذلك من خلال:
- التركيز على التغذية السليمة المُتوازنة.
- تشجيع الطفل على تناول الأغذية الطبيعية الطازجة لمد الجسم بالعناصر الغذائية الضرورية للنمو السليم.
- حث الطفل على نبذ الأغذية الضارة والمُصنعة وذات المحتوى العالي من الدهون والسكريات.
- المتابعة الدورية مع الطبيب المُتخصص للكشف المُبكر عن أي علة صحية يُعاني منها الطفل.
- تشجيع الطفل على ممارسة الرياضة مع أخذ رأيه واستشارته في اللعبة التي يرغب في ممارستها.
الخلاصة المُفيدة أن جعل الطفل يدافع عن نفسه ضد أي اعتداء خارجي يلزمه عمل دؤوب من الأم، ومُلاحظة دقيقة لطفلها وتصرفاته وسلوكياته وشخصيته مع الآخرين.
للمزيد: الأطفال الرضع والتلفاز ومدى صحة تأثيره على ذكاء الطفل وتوحده
مراحل تطور الطفل الطبيعي بعد الولادة من عمر اليوم إلى العامين