العلاقة الترابطية بين الأم وجنينها من حيث اعتماد الجنين عليها في كل شيءٍ يتعلق بالتغذية والنمو يُثير الحفيظة حول احتمالية انتقال السرطان من الأم المُصابة إلى ذلك الجنين على أثر الاعتماد الكامل المُشار إليه.
المخاوف الناجمة عن احتمالية انتقال المرض حثت الباحثين على التقصي والتحري. وفي هذا المقال نستعرض أبرز المُستجدات التي توصلوا إليها.
السرطانات الأكثر شيوعًا مع الحوامل
العلاقة بين جسم الإنسان وبين الأورام السرطانية علاقة مُعقدة وغير مُحدودة التوقعات أو المعالم، ومن ثَم تُصبح النساء كفصيل بشري عُرضة للإصابة لكل أنواع السرطانات المُتعارف عليها، غير أن الشائع بينهن عدد معروف من الأورام السرطانية، كما أن الحمل نفسه يُعزز الإصابة بأنواعٍ مُعينة من السرطانات، وبالتالي ينشأ القلق من انتقال السرطان من الحامل إلى الجنين.
من أبرز السرطانات المُتوقعة مع الحمل إن توفرت العوامل والظروف سرطان الثدي، وهو بطبيعة الحال الأكثر انتشارًا بين النساء، كما أن التغيرات الفسيولوجية في الثديين بفعل الحمل تُعزز الإصابة به نظرًا لزيادة حجم الثديين وتُغير ملمسهما، ثم سرطانات عنق الرحم، سرطانات الغدة الدرقية، سرطانات الغدد الليمفاوية، سرطانات الجلد.
العامل الزمني للتشخيص والعلاج
يسهل التحكم في الحالات التي يُعرف فيها إصابة الأم بالسرطان قبل حدوث الحمل، سواءً التحكم في حدوث الحمل ذاته، أو التحكم علاجيًا وأخذ الاحترازات الطبية المُعتادة وفق البروتوكولات العلاجية التي أقرتها المُنظمات الصحية العالمية.
بينما حالات الإصابة بالسرطان الناتجة عن الحمل نفسه يُمثل التحكم فيها دربًا من الصعوبة وصولًا إلى استحالة التحكم أصلًا، لذلك يُعد انتقال السرطان من الأم إلى الجنين مع مثل هذه الحالات هو الأكثر توقعًا.
فتشخيص الإصابة بالسرطان هُنا يأتي مُتأخرًا جدًا، تبعًا لأوجه التشابه بين بعض أعراضه وبين أعراض التغيرات المنطقية للحمل، وتتجلى هذه الخاصية السلبية مع سرطان الثدي تحديدًا، لأن أغلب أعراضه الشائعة كالانتفاخ والصداع وتغير حجم الثديين ونزيف المُستقيم …و…و تشبه إلى حدٍ بعيد الأعراض الخاصة بفترة الحمل.
قد يهمك الاطلاع على: اللوكيميا عند الاطفال هل بإمكاننا التغلب عليه؟
من ناحية البرنامج العلاجي
نجد أن صعوبة تنفيذ عناصره المُعتادة كالعلاج الكيميائي والإشعاعي … إلخ هي العامل الأكثر حسمًا في انتقال السرطان من الحامل إلى الجنين حتى وإن اكتُشفت الإصابة مُبكرًا، اللهم إلا وجود إمكانية محدودة لوصف بعض العقاقير التي لا تُشكل خطرًا واضحًا على الجنين إنمائيًا وحياتيًا؛ لأن المشيمة تلعب أحيانًا دور حائط الصد بين الحامل والجنين.
فهُناك أصناف من الأدوية لا تمر خلالها إليه، وهُناك أصناف لا تمر إلا بكمياتٍ قليلة جدًا، بيد أن هذه العقاقير والأدوية عادةً ما تُوصف للمُصابة خلال الثلثين الآخرين فقط من رحلة الحمل؛ فيُصبح استفحال المرض واحتمالية انتقال السرطان إلى الجنين في المُستويات الأعلى للحدوث.
من ناحية العلاج الكيميائي
أما العلاج الكيميائي فُيمنع قطعيًا؛ لما يُشكله من ضرر مُباشر وغير مُباشر على الأم وعلى الجنين، والمُتمثل أشُدَّه في انخفاض عدد كريات الدم البيضاء في جسم الحامل كلما اقترب موعد الولادة، الأمر الذي يدفع الأطباء في تحفيز المخاض المُبكر لحماية حياة الطفل؛ فيُصبح المقابل ولادة الطفل مُبكرًا، وبالتالي يكون أكثر عُرضة للمُضاعفات الصحية المُختلفة، والتي في مجملها أهون نوعًا ما من الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي.
أما من ناحية العلاج الكيميائي
وما قيل في العلاج الكيميائي يُقال مثله – ويزيد – في العلاج الإشعاعي، ومن ثَم يتجنبه الأطباء إلى ما بعد الولادة، مع منع اللجوء إلى الرضاعة الطبيعية للحيلولة دون انتقال آثار الأدوية المُشعة – وأهمها اليود المشع – إلى الطفل.
من ذلك كله يتأكد لنا أن مرض السرطان – أيًا كان نوع الورم ومكانه – يُمثل مُعضلة صحية آنية ولاحقة مع الحمل.
انتقال السرطان من الحامل إلى الجنين
ترجيح انتقال السرطان من الأم إلى الجنين ليس متواترًا أو أكيدًا بما لا يدع مجالًا للشك، خصوصًا مع النظر إلى تعدد أنواع الأورام السرطانية واختلافها في هذا الصدد.
وواقعيًا قد يحدث انتقال السرطان؛ فيولد الطفل مريضًا، إلا أن ذلك من الحالات النادرة، كما أنها لا تنطبق على كل أنواع السرطانات، فالمُلاحظ إمكانية انتقال سرطان الدم أو سرطان الخلايا العصبية، أما انتقال السرطان من أنواعٍ أخرى فبين المُمكن وبين الواقع، وبين الإمكانية اللحظية – وقت الحمل – وبين الإمكانية المُستقبلية بعد بلوغ الطفل أو بعد مرور سنوات من عمره، وعادةً ما يُعزز ويتحكم في انتقال السرطان هُنا وجود عامل وراثي أو طفراتٍ جينية.
قد يهمك أيضًا: العلامات الدالة على وجود اضطرابات في الهرمونات وتأثيره على الحمل
حقائق علمية حول انتقال السرطان من الأم للطفل
ما أشرنا إليه آنفًا يؤكد إمكانية انتقال السرطان من الأم إلى الطفل، ولكن التعميم لا يصح، وكذلك لا يُمكن اعتبار إمكانية انتقال السرطان من الحامل إلى الجنين أو من الأم إلى الطفل قاعدة طبية أساسية.
ففي أحدث الدراسات البريطانية المُجراه في العام 2009م وتناولت هذا الموضوع توصل الباحثون إلى أدلة تُثبت قدرة الخلايا السرطانية على الانتقال من الحامل لجنينها، إلا أن الدراسة أكدت أيضًا على:
- عدم شيوع هذه الإمكانية مع كل أنواع السرطان.
- ندرة إصابة الطفل بنفس نوع السرطان المُصابة به الأم.
- قدرة النظام المناعي للطفل – نظريًا – على منع وقوع الإصابة.
- تعد سرطانات الدم وسرطانات الجلد هي أكثر الأنواع القادرة على إصابة الأجنة انتقالًا من الأم.
- الخلايا المُصابة إن تمكنت من تجاوز المشيمة والانتقال من الحامل إلى تيار الدم الخاص بالجنين؛ النظام المناعي للجنين لديه القدرة على مُحاربتها والتخلص منها نهائيًا.
- عادة ما يتم انتقال السرطان من الحامل إلى الجنين عند امتلاك الأم والطفل بالتزامن جينات مُتماثلة متحورة سرطانية.
أخيرًا يُمكننا القول أن انتقال السرطان من الحامل إلى الجنين وارد الحدوث، بل إن انتقال السرطان ليس شرطًا أن يتم أثناء الحمل، فمن الوارد تأخره ليظهر على الطفل لاحقًا، وهو ما يستدعي أخذ الموضوع على محمل الجد، والمُتابعة الدورية للطبيب مُنذ التفكير في الحمل ولحين الولادة.
للمزيد: سرطان المبيض .. أسبابه وأعراضه وطرق علاجه
أعراض سرطان الثدي وأسباب الإصابة وطرق العلاج
الحمل المنتبذ … أسبابه وأعراضه وطرق الوقاية
اترك تقييم