تتواتر الكثير من المعلومات عن تليف الثدي بعضها صحيح وأكثرها مغلوط يُجافي الحقائق العلمية الراسخة، وتنامي إشاعة المفاهيم الخاطئة عن المرض يثير كثيرًا من الفزع والقلق تجاهه، وهو ما يلحقه التبعات النفسية التي قد تكون أشد خطورة على صحة الجسم العضوية من المرض ذاته.
إيمانًا منا بدور الوعي الصحي في ضحد الشائعات كتبنا لكِ سيدتي هذا المقال، مُفصِّلين تليف الثدي من الألف إلى الياء.
المقصود بتليف الثدي ومُعدلات الإصابة به
بداية أصبح من المتواتر طبيًا تسمية المرض باسم “الثدي الكيسي الليفي” بدلًا من تليف الثدي وذلك لأن الحالة الصحية المقصودة هُنا شائعة بامتياز، فالحقيقة أن نصف النساء على الأقل يُعانين من الثديين الكيسيين الليفيين ولو بنسبة لا تُذكر ولو خلال مرحلة بسيطة من مراحل حياتهن.
فمن المتواتر حدوث تكيسات الثدي الليفية خلال أي وقتٍ من المرحلة العمرية من عِقد العشرين إلى عِقد الخمسين، في حين أنها نادرة الحدوث قُبيل مرحلة انقطاع الطمث إلا إن كانت المرأة تُعالج بالأدوية الهرمونية.
ويُقصد بتليف الثدي تحول ملمس أنسجته إلى الملمس التكتلي ليُصبح قوامها وخشونتها أشبه بملمس حبال الربط، ولهذا يُطلق عليه الأطباء النسيج العقيدي.
الفحص المجهري للأنسجة الثديية الكيسية الليفية يُظهر تكتلاتٍ حميدة أو غير ذات أثر، مثل:
- تكيسات مليئة بالسوائل تأخذ الشكل الكروي أو البيضاوي.
- تليفات نسيجية أقرب في شكلها إلى النُدب.
- تضخم ملحوظ في مجموعة الخلايا التي تُبطن الغدد اللبنية أو الفصيفصات والتي هي عبارة عن مجموعة الأنسجة المسئولة عن إفراز حليب الأم في الصدر.
- تضخم الفصيصات نفسها، وهي الحالة المرضية المعروفة طبيًا باسم “الغداد”.
مما سبق يتضح لنا أن كل التغيرات النسيجية المُسماة تليف الثدي أو الثدي الكيسي الليفي أو التغيرات الكيسية الليفية لا يُمكن اعتبارها مرضًا، بل هي بالأساس تغيراتٍ كيسية ليفية تحدث في أنسجة الثديين بصورة طبيعية.
يُعزز هذا الطرح الغير مرضي أن كثيرات من مُصابات تليف الثدي لا يشتكين من أعراضٍ مُصاحبة للتغير النسيجي هذا، وهذا لا يُنفي أن البعض منهن فقط قد يشعرن ببعض الألم والوجع في الثديين، كما أن بعضهن قد يشعر بتجعد الثديين من الزاوية العلوية الخارجية كإشارة مظهرية على حدوث تبدلات كيسية في النسيج.
وما أثبتته الدراسات الطبية والمشاهدات الواقعية أن تليف الثدي إن صاحبته الأعراض المذكورة آنفًا؛ فإنها ستظهر بصورة أكثر إزعاجًا قبل نزول الدورة الشهرية مُباشرةً دون أيام الشهر الأخرى، وغالبًا ما يُسيطر على حدة الأعراض بمُمارساتٍ وإجراءاتٍ ذاتية بسيطة.
قد يهمك أيضًا: الجفاف المهبلي … أعراضه وعلاجه والوقاية منه
تفصيل الأعراض المُصاحبة لتليف الثدي
ذكرنا أن تليف الثدي مع أغلب النساء لا تُصاحبه أعراضٍ مرضية، ولكن إن حدث وعانت المرأة من الأعراض، فهذه الأعراض غالبًا ما تتركز فيما يلي:
- تواجد تكتلات أو مناطق سميكة القوام بالثدي مُختلطة مع ما حولها من أنسجة طبيعية.
- الشعور بآلامٍ عامة في الثديين وخصوصًا عند لمسهما.
- اختلاف حجم التكتلات المتكونة بالثدي مع اقتراب الحيض.
- خروج تلقائي دون ضغط على الحلمات لإفرازاتٍ خضراء اللون أو ذات لونٍ بُني داكن إلا أنها غير دموية.
- وجود اختلاف ملمسي بين مناطق كل ثدي مُقارنةً بالآخر.
- في الفترة الزمنية الفاصلة بين توقيت عملية التبويض إلى قبل نزول الدورة الشهرية يزداد الشعور بالآلام في الثديين، كما يزداد تكون التكتلات النسيجية.
قد يهمك أيضًا: العلامات الدالة على وجود اضطرابات في الهرمونات وتأثيره على الحمل
الأعراض التي يلزمها التدخل الطبي
ذكرنا أن تليف الثدي على نحوٍ ما – بأعراض أو بدون – لا يُعد مرضًا بالمقصود الطبي والعلاجي للتسمية، ولا يُعني هذا إهمال المشورة الطبية ففيها الفائدة ولا شك، ولكن على نحوٍ آخر ووفق أعرضٍ مُغايرة قد تكون تغيرات الثدي التكيسية الليفية داعية بوقعٍ أبلغ إلى الاستشارة الطبية العاجلة، هذه الأعراض منها:
- تنامي وجود التكتلات الجديد بالثدي.
- بروز منطقة من الثدي على أن تكون ذات سماكة ضخمة.
- الشعور بآلامٍ مُستمرة وحادة في مناطق مُعينة بالثدي، مع دوام تفاقم حدة هذه الآلام.
- دوام حدوث التغيرات التكيسية بصورة لا تتوقف مع ازدياد وتيرة التغيرات قبل نزول الدورة الشهرية.
- تأكد تغير تقييم الطبيب للتكتلات من حيث الحجم ودرجة التغير بين مرات الفحص المُتعاقبة.
أسباب تليف الثدي
لا يزال السبب المُباشر في مُعاناة النساء من تليف الثدي مجهولًا إلى الآن، بيد أن المُتخصصين يُرجعونه إلى وقوع تغيرات واختلالات بالهرمونات الجنسية عامة، وبهرمون الاستروجين خاصة.
حيث من المؤكد أن تغير مُعدلات هذا النوع من الهرمونات أثناء الدورة الشهرية له بالغ الأثر على الشعور أو عدم الشعور بالراحة في الثديين، هذا إلى جانب أن وجود العقد بالنسيج الصدري يتبعه لا محالة الشعور بالآلام والضيق في الثديين، كما قد يؤدي إلى تورمهما، ومن ثَم يصبح من الطبيعي جدًا أن تظهر أعراض تليف الثدي غيره من المشكلات قُبيل الدورة الشهرية، وما إن يبدأ الطمث حتى تقل حدة الأعراض أو تختفي.
قد يهمك أيضًا: الغذاء الصحي هو الطعام المتوازن خاصةً فترة الحمل … أنواع الغذاء الصحي وفوائده للجسم
عوامل الخطورة
تليف الثدي أيًا كانت أعراضه لا خطر منه ولا يعد مقدمة للإصابة بسرطان الثدي، وبذلك كل ما تتناقله الألسن في هذا الموضوع عارٍ من الصحة.
آليات تشخيص المرض
تتنوع آليات الفحص لتشخيص تليف الثدي، وتشمل:
الفحص السريري
حيث يقوم الطبيب بالفحص اليدوي والبصري لمناطق مُعينة بالثديين، كما يقوم بفحص العقد الليمفاوية الكامنة بمنطقتيّ أسفل الرقبة والإبط، بالإضافة إلى مُناقشة المريضة وسؤالها للتعرف على التاريخ الطبي العام مع الأمراض والخاص مع أوجاع الثدي والدورة الشهرية.
ويهدف الفحص السريري بشكلٍ عام إلى تلمس الإشارات المبدئية على وجود تغيراتٍ (طبيعية) بالثديين، لأن إثبات ذلك لا يحث على التوجه نحو مزيدًا من الفحوصات الإضافية، بينما إن تشكك الطبيب في وجود تكتلاتٍ غريبة أو حدوث تغيرات كيسية ليفية على نحوٍ يجافي الشائع فقد يطلب إعادة الفحص بعد انتهاء أيام الدورة الشهرية، فما إن لُاحظ استمرار الوضع على كيفيته بالرغم من انتهاء الحيض فسيوجه إلى مزيدٍ من الفحوصات الأكثر تخصصًا.
التصوير الإشعاعي للثديين
حال ملاحظة الطبيب لتكتلات بسماكة غليظة وببروز أكثر من الطبيعي بأنسجة الثدي؛ فإن الأنسب لتأكيد أو نفي التشخيص بتليف ثدي عادي أو غير عادي هو تصوير الثديين بالأشعة السينية لتوفير صورٍ واضحة ودقيقة عن الخلايا والأنسجة من الداخل.
فحص الموجات فوق الصوتية
وهو من أنواع الفحص الكاشفة عن تليف الثدي كبديل عن فحص الأشعة السينية، وهو على الأغلب يُستخدم مع السيدات في الأعمار الأقل من 30 عامًا، حيث إن الموجات فوق الصوتية تُعد أفضل تقييمًا لأنسجة الثدي الكثيفة مع النساء الأصغر سنًا، حيث تكون أنسجة الثدي عندهن أكثر حشوًا وإحكامًا في الفصوص والأنسجة الضامة والقنوات، وبذلك يُساعد الفحص بالموجات فوق الصوتية على التمييز بين التكتلات الصلبة والأكياس المُعبأة بالسوائل.
شفط مُحتوى الكتلة بالإبرة الرفيعة
وهي طريقة فحصية يلجأ إليها الطبيب عندما تتشابه الكتلة بالكيس، وعليه يستخدم الطبيب إبرة شفط رفيعة جدًا لسحب محتوى الكتلة لبيان ما إذا كان سائلًا أم لا، وما إن يتأكد له سيولة المُحتوى حتى يُصبح بمقدوره شفط كامل المحتوى وتفريغ الكيس نهائيًا، وهو ما يتبعه إنهاء الشعور بعدم الراحة واستبعاد الظنون المرضية الأخطر.
خزعة الثدي
التصوير الإشعاعي، وكذلك التصوير بالموجات فوق الصوتية؛ إذا ما أثار الشكوك والمخاوف حول طبيعة تليف الثدي وطبيعة التكتلات المُتكونة؛ فإن الحل التشخيصي الأمثل هو سحب خزعة (عينة) صغيرة من منطقة أنسجة الثدي المُثيرة للشكوك لفحصها مجهريًا، وبناءً على نتائج الفحص المجهري تستبين النتيجة التشخيصية النهائية.
قد يهمك أيضًا: مرض الذئبة الحمراء هل هو خطير مع الحمل .. المخاطر المحتملة ونصائح هامة
علاج تليف الثدي
تتعدد علاجات تليف الثدي المُتمثلة في:
العلاجات الطبية
عندما لا يتزامن مع التغيرات الكيسية الليفية بالثديين أعراضًا أو تزامن معها أعراضًا خفيفة؛ فلا ضرورة لأي تدخلاتٍ طبية، وحينها تكون البرامج العلاجية الطبيعية والمنزلية هي الأجدر بالإتباع، بينما إن كانت الأعراض عديدة أو الآلام شديدة أو التكتلات والتكيسات كبيرة الحجم؛ فإن العلاج الطبي أولى. وتشتمل الخيارات العلاجية الطبية لتليف الثدي عدة عناصر، منها:
شفط محتوى الكيس بإبرة رفيعة: حيث يقوم الطبيب بإفراغ الكيس كاملًا من السائل، وهو يؤتي ثماره في تخفيف الورم، انهيار التكيس، خفوت حدة الشعور بالآلام وعدم الراحة وصولًا إلى الاختفاء النهائي.
الاستئصال الجراحي: وإن كان خيارًا علاجيًا نادرًا، إلا أنه يُلجأ إليه عند تفريغ الكيس من محتواه السائلي دون حدوث تقدم وتحسن ملحوظ بعد عملية الشفط.
أدوية المُسكنات والأدوية المُضادة للالتهابات: مثل مجموعات الأسيتامينوفين والعقاقير الغير ستيرويدية مثل الايبوبروفين، وجميعها أدوية لا تُصرف إلا بوصفة طبية، وتهدف إلى تخفيف الأعراض وحدة التورمات.
وسائل منع الحمل الفموية: وهذه تلعب دورًا في خفض مُعدلات إفراز الهرمونات المُتسببة في تليف الثدي.
قد يهمك أيضًا: متى يُشكل مرض ارتفاع ضغط الدم خطرًا على الحامل وكيف يُمكن علاجه بسرعة؟
العلاجات المنزلية
على الجانب الآخر تلعب المُمارسات المنزلية والعلاجات الطبيعية والتغذوية دورًا في القضاء على تليف الثدي الطبيعي، وخصوصًا خفيف أو عديم الأعراض، ومنها:
- الاعتياد على ارتداء حمالة الصدر الداعمة القوية، مع إحكام ربطها على الثديين.
- الاعتياد على ارتداء حمالات الصدر الرياضية المضغوطة أثناء ممارسة الرياضة وأثناء النوم.
- بالمشاورة مع الطبيب من المهم التوقف عن أنواع العلاجات الهرمونية، أو على الأقل التقليل منها.
- الاعتياد على استعمال وسادة التدفئة على الثديين للتخفيف من حدة الشعور بعدم الراحة والضيق.
- تجنب – أو على الأقل التقليل – من تناول الأغذية والمشروبات الغنية بالكافيين مثل المشروبات الغازية والشوكولاتة.. إلخ، لدور الكافيين على تعزيز وجود التجعد بمناطق الثدي المُصابة بالتليف.
- التقليل من تناول الأغذية الغنية بالدهون وخصوصًا الدهون المُشبعة لأثر ذلك في تخفيف حدة الألم المُصاحب لتليف الثدي الكيسي.
- زيادة مُعدلات عنصر الألياف بالنظام الغذائي اليومي بما لا يقل عن 30 جرامًا على الأقل، لدورها في تخفيف أعراض تليف الثدي المُتليّف، ومن ثم من المهم التركيز على تناول الخضروات والفواكه الطازجة، وكذلك الحبوب الكاملة والبقوليات.
- شرب كمياتٍ وفيرة من الماء والسوائل الصحية لتعزيز طرد الجسم ما لا يحتاجه من السوائل، وبالتالي تنعدم نوعًا ما حالة احتباس السوائل بالثدي.
- تقليل استهلاك الملح يُساعد في الحد من احتباس السوائل بالجسم، وكذلك الحد من احتقان الثديين.
قد يهمك أيضًا: الحمل في الأربعينات من عمر المرأة هل هو ممكن؟ وما هي مخاطره؟
مكونات علاجية طبيعية
هُناك مجموعة من المكونات العلاجية الطبيعية الفعالة ونذكر منها:
بذور الكتان الطازجة: أكدت الجمعية الكندية لأطباء النساء والتوليد على دور بذور الكتان الطازجة – وليس الزيت – في علاج آلام الثديين بصفةٍ عامة.
زيت الزهور المسائي: فقد أُثبت دوره في تقليل أوجاع الثدي تبعًا لقدرته على تغيير توازن الأحماض الدُهنية داخل خلايا الثديين.
حشيشة القنفذ: هو مكون طبيعي من الجذور والأزهار ينتشر بآسيا الوسطى، ويُستخدم في علاج تليف الثدي تبعًا لمُحتواه الغني بالعديد من المواد الكيميائية الطبيعية مثل الكاميدات واسترات حمض الكافئين والزيوت الطيارة، وكلها مُركباتٍ تزيد من مناعة جسم الأنثى مانحةً إياها قدرة مُضاعفة على مُقاومة العدوى والتورمات.
توت الحجال: ويُعرف أيضًا باسم عنب الحجال، حيث تُستخدم الأجزاء الهوائية من هذا النبات لعلاج تليف الثدي بعد أن تُسحق على هيئة مسحوق، ثم يُغلى مقدار ملعقة صغيرة من المسحوق في الماء، ثم يُصفى السائل ويُشرب المُستخلص مرتين يوميًا.
تليف الثدي ليس مرضًا خطيرًا، ولكن يلزمه الكثير من الوعي والتنبه للأعراض للوقوف على تفاقمها مُبكرًا، ومن ثَم التدخل العلاجي سريعًا.
للمزيد: ما هي اعراض الحمل المُبكرة؟ علامات إن ظهرت تأكدي أنك حامل