نزف الدم أثناء الحمل يُمكن أن يمثل حالة صحية طبيعية ناتجة عما يحدث بجسم الحالة من تغيراتٍ وضعية عضوية، بجانب التغيرات الهرمونية الأساسية، ويُمكن أن يمثل تهديدًا لحياة الأم أو الجنين أو كلاهما، نظرًا لكونه مؤشرًا على وجود عارض صحي خطير.
نزيف الدم مع الحمل يحمل الكثير من التفاصيل الدقيقة، هذا المقال سيوضحها جميعًا.
نزف الدم أثناء الحمل ومكامن الخطورة
بشكلٍ عام يُعد نزف الدم أثناء الحمل – وبخاصة خلال الثلث الأول منه – أمرًا طبيعيًا وغير مُثير للقلق، غير أن العلاقة بين فترة الحمل وبين نزيف الدم ليست هي المحدد الوحيد لخطورته أو عدم خطورته، حيث من الوارد أن يحدث النزيف في فترة حملية مُستساغة ولكن بعوارض مُصاحبة تُنذر بالخطر.
من هذا التأسيس الطبي يتضح لنا أن كمية الدم النازل، ولون الدم، والأعراض المرضية المُصاحبة للنزيف، كلها عوامل تحث على تتبع الأسباب والمواظبة على الاستشارة الطبية وعمل الفحوصات الدورية؛ حفاظًا على صحة الحامل والجنين.
وخلافًا لما اعتدتم عليه منا فيما يخص بنية المقال وطريقة سرد المعلومات، دعونا نتحدث عن نزف الدم أثناء الحمل بطريقة مُختلفة للتبسيط والشمول.
الشهور الثلاثة الأولى من الحمل
غالبًا ما تُعاني نسبة 20٪ من الحوامل من نزيف الحمل أثناء – أو طوال – الثلاثة شهور الأولى من الحمل، ولبيان النزيف الطبيعي من النزيف الخطر سنتطرق للأسباب الآتية:
النزيف الطبيعي
انغراس الجنين بالرحم: ويدل عليه نزف الدم أثناء الحمل بصورة خفيفة، حتى إن بعض الحوامل يعتقدنه دورة شهرية ولا يعرفن بحدوث الحمل إلا متأخرًا، وهو نزيف طبيعي وصحي.
فحص عنق الرحم: ويُرمز له طبيًا بأحرف (Pap)، حيث ينتج عن هذا النوع من الفحص النسوي الذي يجريه الطبيب للحامل احتكاك بسيط في الأنسجة اللينة الحساسة بالرحم، مما يتبعه حدوث نزيف بسيط وخفيف، وهو أيضًا طبيعي وغير مُقلق على صحة الحامل أو حياة الجنين.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى نزف الدم أثناء الحمل في شهوره الأولى ولكنها طبيعية وعديمة الخطورة على صحة الأم والجنين:
- حدوث تغيرات حجمية وتكوينية في عنق الرحم.
- ممارسة الجماع.
- وجود تلوث يعنق الرحم أو بالمهبل.
- الإصابة بمرض أو أكثر من المنقولة جنسيًا مثل السيلان والهربس.
قد يهمك أيضًا: الجفاف المهبلي … أعراضه وعلاجه والوقاية منه
النزيف الخطر
الإجهاض: من المؤكد أنه سيكون نزيف حاد وغزير، وحدوثه بهذه الكيفية أثناء الثلث الأول من الحمل مؤشر قوي على حدوث الإجهاض، ومع هذا النوع من النزف أثناء الحمل ستظهر لا محالة أعراض شديدة الدرجة، مثل آلام وتشنجات حادة وشديدة في منطقتيّ أسفل البطن والحوض، كما أن الدم النازل في هذه الحالة سيحتوي على أجزاء من أنسجة المشيمة، لا يُمكن إغفال هذا النزيف أو التهاون فيه، لأنه يُهدد حياة الحامل.
الحمل خارج الرحم: بالرغم من ندرة حدوث الحمل خارج الرحم (تشير الإحصائيات إلى حدوثه عند 2% من إجمالي حالات الحمل بالعالم)، إلا أن حدوثه يُصاحبه بدون أدنى شك نزف الدم أثناء الحمل بغزارة وشدة.
بل ويعتبر النزيف هو العرض المُشترك بين كل أنواع الحمل خارج الرحم، وأشهرهم انغراس الحمل في واحدة من قناتيّ فالوب، والنزيف الشديد هُنا يكون ناتج عن احتمالية انتفاخ أو انفجار القناة.
وإلى جانب النزيف تظهر أعراضًا مرضية أخرى مثل التقلصات الشديدة أسفل البطن والدوار والإغماء، وخطر النزيف هُنا يصل إلى درجة القضاء على حياة الحامل لفقدان كميات كبيرة من الدم في وقتٍ قصير، لذلك من الضروري التدخل الطبي السريع لإيقافه.
الحمل العنقودي: وهو الحامل الذي تتطور فيه أنسجة المشيمة فتأخذ شكل مجموعة كيسات مُتراكمة فوق بعضها على هيئة عنقود العنب، بدلًا من تطورها بشكلٍ طبيعي يضم أنسجة للمشيمة وأخرى للجنين، وحقيقةً تُعد هذه الكيسات شكلًا من أشكال الورم السرطاني بالرحم، وبالتالي ستظهر حتمًا أعراض شديدة مثل النزيف والغثيان والقئ والشعور بآلامٍ في منطقة الحوض، وستكون النتيجة الحتمية النهائية:
- النزيف الحاد والمُستمر.
- ارتفاع ضغط دم الأم.
- تضخم حجم الرحم بصورة مُبالغ فيها وبوتيرة سريعة جدًا.
- تسمم الحمل.
- الإصابة بفقر الدم.
- زيادة نشاط الغدة الدرقية بصورة مرضية.
- ظهور كيسات في المبايض.
- وكلها أعراض تحتاج إلى تدخل طبي سريع وفوري لإجهاض الجنين ومراقبة الصحة العامة للحامل ووقف النزيف.
قد يهمك أيضًا: مرض الذئبة الحمراء هل هو خطير مع الحمل .. المخاطر المحتملة ونصائح هامة
الشهور من الرابع إلى التاسع من الحمل
غالبًا ما يؤشر نزف الدم أثناء الحمل بعد الدخول في ثُلثيّه الثاني والثالث إلى وجود مُشكلةٍ صحية خطيرة تُهدد حياة الحامل، وكذلك تُهدد حياة الجنين إن لم تكن قضت عليها فعلًا، وبالتالي لا وجود لنزيف دم طبيعي في هذه المراحل الزمنية من الحمل، فكل نزيف خلالها يُعد مُشكلةٍ صحية تحتاج إلى استشارة طبية حتى وإن كان نزيفًا خفيفًا جدًا ومُتقطع، ومن أهم ما يؤشر له النزيف في وسط ونهاية رحلة الحمل ما يلي:
نزول المشيمة
أو ما يُطلق عليها المشيمة المنزاحة، ومن المؤكد هُنا أن النزيف سيكون حادًا جدًا ويُصاحبه آلام شديدة في منطقة الحوض، ونظرًا لتغطية المشيمة لفتحة عنق الرحم؛ فإن الحفاظ على الحمل يستدعي اجراء الولادة قيصريًا.
انفصال المشيمة
وتُعاني منها نسبة 1% من الحوامل، وفيها تنفصل المشيمة بشكلٍ كامل عن جدار الرحم، وهو ما يتبعه النزيف القوي الشديد، آلامًا حادة في البطن والظهر، تصلب البطن، والعلاج هُنا يرتكز على حفظ حياة الأم والجنين معًا، أو على حياة الأم وحدها، وذلك عبر ضخ السوائل الوريدية لوقف النزيف، ونقل الدم لتعويض المفقود، والجراحة القيصرية لتفادي وفاة الجنين.
تمزق الرحم
وعادةً ما يحدث عن وجود ندوب بالرحم أحدثتها جراحاتٍ قيصرية سابقة، ولا يكون النزف أثناء الحمل مع هذه الحالة هو المُهدد الوحيد لحياة الجنين والأم، ولكن التمزق بحد ذاته يتسبب في وفاتهما.
وتعد الحوامل الأكبر عمرًا من 35 عامًا وأجرين قيصريات سابقًا الأكثر عرضة لتمزق الرحم، وكذلك مع زيادة وزن الجنين بصورةٍ مُبالغ فيها، وأيضًا عند الخضوع لجراحاتٍ نسائية سابقًا، وبجانب النزيف الناتج عن التمزق تظهر أعراض التقلصات والآلام الشديدة في البطن، آلام الصدر والكتفين، الصدمة، انخفاض ضغط الدم، اختلال سرعة ضربات القلب عند الأم وعند الجنين.
قد يهمك أيضًا: متى يُشكل مرض ارتفاع ضغط الدم خطرًا على الحامل وكيف يُمكن علاجه بسرعة؟
الولادة المُبكرة
تُوصف الولادة بالمُبكرة إذا ما تمت قبل بلوغ الأسبوع الـ 37 من الحمل، وأسبابها عديدة، نذكر منها أمثلة لا حصرًا نزول الماء وكثرة سائل السلوي أو قلته وقصور المشيمة وتعدد الأجنة داخل الرحم، بالإضافة إلى صغر عمر الحامل عن 18 عامًا أو تجاوزها سن الـ 40 عامًا، علاوةً على أنواعٍ من الأمراض مثل النحافة الشديدة لجسم الأم وأمراض القلب وأمراض الكلى والالتهاب الرئوي، وكذلك إدمان الأم للكحوليات والمخدرات والتدخين.
وأيًا كان سبب الولادة المُبكرة فإن نزف الدم أثناء الحمل بغزارة وشدة حاصل لا محالة مما يستدعي مُتابعة طبية جادة.
الرسالة التي حاولنا إيصالها لكِ عزيزتي الحامل من السطور السابقة أن نزف الدم أثناء الحمل لا يُمكن معه التغافل أو التقصير، فطالما أنه طبيعيًا في حالات وأوقات وخطيرًا في حالات وأوقاتٍ أخرى؛ فإن الإلتزام بالمتابعة الطبية الدورية أهم عناصر كشف وعلاج الأسباب مُبكرًا قبل ضياع حياة الجنين أو الأم سُدى.
للمزيد: الحمل في الأربعينات من عمر المرأة هل هو ممكن؟ وما هي مخاطره؟