إن اتباع أوامر الله سبحانه وتعالى أمر لا يختلف عليه من آمن بالله والرسول الكريم محمد (ﷺ)، ومن بينها أن للمرأة التي تفارق زوجها بطلاق أو وفاة عدّة حددها الشرع بفترة زمنية يتوجب عليها بعض الأحكام ومن أهمها عدم زواجها حتى انقضاء هذه الفترة.
ولكن ماذا عن العدّة في فترة الحمل، هذا ما سنتعرض له في بيان كم عدة الحامل فتعالي معنا:
ما هي العدّة؟ وما الحكمة من عدّة المرأة
العدّة هي الفترة التي حددها الشرع للمرأة بعدم زواجها من أي شخص آخر خلالها بعد طلاقها أو وفاة زوجها.
لقد شرّع الله سبحانه وتعالى العدّة لحكم عظيمة منه، وهي:
- براءة رحم المرأة وخلوه من الحمل، وذلك حتى لا تختلط الأنساب.
- مراعاة حق الزوج على زوجته بفقده وخاصة في حالة الوفاة.
- هي فرصة للزوج بأن يراجع زوجته خلال هذه الفترة (وهذا يكون في الطلاق الرجعي).
- العدّة هي ليعظّم كلا الزوجين شأن عقد الزواج وقيمته ومكانته في الدين الإسلامي، وعدم الاستهتار فيه.
قال الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة، الآية: (228): {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.
كم عدة الحامل
عدة المرأة الحامل المطلقة من زوجها:
ذُكر في القرآن الكريم أن عدّة المرأة الحامل هي مقدار فترة الحمل المتبقية لها، سواء كانت تسعة أشهر أو بوضعها للجنين (ولو بعد وفاة الزوج بزمن قليل)، حيث تنقضي العدة عند ولادتها ووضعها لجنينها سواء كان حيًا أو ميتًا، كاملًا أو ناقصًا، بكامل المدة أو لا.
وقد ذُكر ذلك صراحة في القرآن الكريم في سورة الطلاق، الآية (4) بقوله تعالى:﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾.
عدة المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها:
لقد أجمع العلماء حول كم عدة المرأة الحامل المتوفى زوجها، حيث ذكرت الآية الكريمة في سورة البقرة، الآية (234) بقوله عز وجل:﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
لكن المسألة هذه ظهر فيها رأي العلماء:
المرأة الحامل التي يموت زوجها هل تكون عدتها كعدة المرأة المتوفى عنها زوجها وهي أربعة أشهرٍ وعشرة أيام كما ذُكر في الآية الكريمة رقم (234) من سورة البقرة؟ أو أن تكون عدتها كما ذُكر في سورة الطلاق الآية رقم (4) بوضع الحمل؟
هذا الاختلاف كان في الآيتين لكن العلماء اتفقوا على أن عدة المرأة الحامل التي يتوفى عنها زوجها هو وضعها لحملها.
وقد استدل العلماء في ذلك من عدة أدلة:
من القرآن الكريم:
بدليل قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} سورة الطلاق الآية (4).
ووجه الدلالة: أن هذه الآية تعتبر نصّ عامّ في فترة عدة كل امرأة حامل، سواء مطلقة أو متوفى عنها زوجها.
من السُّنة النبوية:
بدليل ما قاله الإمام البخاري: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى قَالَ: عن أبي سَلَمةَ قال: ((جاء رجُلٌ إلى ابنِ عبَّاسٍ، وأبو هُريرةَ جالِسٌ عنده، فقال: أفتِني في امرأةٍ ولَدَت بعد زوجِها بأربعينَ ليلةً؟ فقال ابنُ عبَّاسٍ: آخِرُ الأجلَينِ، قلتُ أنا: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ الطلاق: 4. قال أبو هُريرةَ: أنا مع ابنِ أخي (يعني: أبا سَلَمةَ) فأرسل ابنُ عبَّاسٍ غُلامَه كُرَيبًا إلى أمِّ سَلَمةَ يَسألُها، فقالت: قُتِلَ زَوجُ سُبَيعةَ الأسلَمِيَّةِ وهي حُبلى، فوَضَعَت بعد موتِه بأربعينَ ليلةً، فخُطِبَت، فأنكَحَها رَسولُ الله ﷺ، وكان أبو السَّنابِلِ فيمن خَطَبَها)) رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية، وهذا حديث صحيح.
وجه الدلالة في هذا الحديث: أنه نص عن رسول الله (ﷺ) في اعتبار أن انتهاء عدّة المرأة الحامل بوضع الحمل، بدليل زواج أم سلمة بعد وضع حملها.
- حديث آخر: عن ابن مسعود: إنّ الحامل إذا مات عنها زوجها تحلُّ بوضع الحمل وتنقضي عدَّة الوفاة. رواه ابن حجر العسقلاني والمصدر: فتح الباري لابن حجر.
- وحديث آخر: عن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) أنه قال في الحامل المُتوفى عنها زوجها عدتُها آخرُ الأجلين. رواه ابن عبد البَرّ.
أو ما يقال في بعض الروايات (أبعدُ الأجلين) أي إما وضع الحمل أو مدة أربعة أشهر وعشرًا، ومعنى ذلك أنه إذا مات الزوج والمرأة حامل فهنا نحن أمام أمرين وننظر في الأمر كما يلي:
إن كانت المرأة المتوفى عنها زوجها حامل في شهرها الثاني فعدتها تكون أن تضع هذا الحمل لأن هذا أبعد الأجلين من عدة المتوفى عنها زوجها (أربعة أشهر وعشرًا)، بمعنى لا تتزوج حتى تضع حملها.
أما إن كانت في شهرها الخامس من الحمل فعدتها أربعة أشهر وعشر، فهذا يتقارب مع عدة المتوفى عنها زوجها وغير حامل وهي (أربعة أشهر وعشرًا، وخاصة أنه لم يبق لوضعها حملها سوى أربع أشهر)، وهو أبعد الأجلين.
وهذا الذي أفتى به علي (كرم الله وجهه) وابن عباس.
من الإجماع:
والدليل: أن عدد من العلماء المسلمين قد أيّدَ هذا الرأي واتفقوا على أن عدّة الحامل تنتهي بوضع حملها مهما كان مدة هذا الحمل المتبقية بعد وفاة زوجها (حتى لو وضعت بعد يوم من وفاته) ومنهم: ابن حزم، القرطبي، ابن المنذر، ابن عبد البَرّ، ابن قُدامة، وابن تيميّة.
المصادر:
- القرآن الكريم.
- السنة النبوية.
- الدرر السنية في الأجوبة النجدية، المؤلف: مجموعة من علماء نجد الأعلام.
- عدة (إسلام) – Wikipedia